Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 62, Ayat: 3-3)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لا يجوز أن يكون { وآخرين } عطفاً على { الأميين } الجمعة 2 لأن آخرين يقتضي المغايرة لما يقابله فيقتضي أنه صادق على غير الأميين ، أي غير العرب والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن بين غير العرب فتعين أن لا يعطف { وآخرين } على { الأميين } لئلا يتعلق بفعل { بعث } مجرور القي ولا على الضمير في قوله { منهم } كذلك . فهو إما معطوف على الضمير في { عليهم } من قوله { يتلوا عليهم } الجمعة 2 والتقدير ويتلو على آخرين وإذا كان يتلو عليهم فقد علم أنه مرسل إليهم لأن تلاوة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تكون إلا تلاوة تبليغ لما أُوحي به إليه . وإما أن يجعل { وآخرين } مفعولاً معه . والواو للمعية ويتنازعه الأفعال الثلاثة وهي « يتلو ، ويزكي ، ويعلم » . والتقدير يتلو على الأميين آياتنا ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة مع آخرين . وجملة { وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } الجمعة 2 معترضة بين المعطوف والمعطوف عليها أو بين الضمائر والمفعول معه و { آخرين } جمع آخر وهو المغاير في وصف مما دل عليه السياق . وإذ قد جعل { آخرين } هنا مقابلاً للأميين كان مراداً به آخرون غير الأميين ، أي من غير العرب المعنيين بالأميين . فلو حملنا المغايرة على المغايرة بالزمان أو المكان ، أي مغايرين للذين بعث فيهم الرسول ، وجعلنا قوله { منهم } بمعنى أنهم من الأميين ، وقلنا أريد وآخرين من العرب غير الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ، أي عَرباً آخرين غير أهل مكة ، وهم بقية قبائل العرب ناكده ما روى البخاري ومسلم والترمذي يزيد آخِرهم على الأوَّلَيْن " عن أبي هريرة قال كنّا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة فتلاها فلما بلغ { وآخرين منهم لما يلحقوا بهم } قال له رجل مَن هم يا رسول الله ؟ فلم يراجعه حتى سأَل ثلاثاً ، وفينا سلمان الفارسي ووضع رسول الله يده على سلمان وقال لو كان الإِيمانُ عند الثريا لناله رجال من هؤلاء " ؟ وهذا وارد مورد التفسير لقوله تعالى { وآخرين } . والذي يلوح أنه تفسير بالجزئي على وجه المثال ليفيد أن { آخرين } صادق على أمم كثيرة منها أمةُ فارس ، وأما شموله لقبائل العرب فهو بالأوْلى لأنهم مما شملهم لفظ الأميين . ثم بِنَا أن ننظر إلى تأويل قوله تعالى { منهم } . فلنا أن نجعل مِن تبعيضية كما هو المتبادر من معانيها فنجعلَ الضمير المجرور بــــمِن عائداً إلى ما عاد إليه ضمير { كانوا } من قوله { وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } الجمعة 2 ، فالمعنى وآخرين من الضَّالين يتلو عليهم آيات الله ويزكيهم الكتاب والحكمة ولنا أن نجعل مِن اتصالية كالتي في قوله تعالى { لست منهم في شيء } الأنعام 159 . والمعنى وآخرين يتصلون بهم ويصيرون في جملتهم ، ويكون قوله { منهم } موضع الحال ، وهذا الوجه يناسب قوله تعالى { لما يلحقوا بهم } لأن اللحوق هو معنى الاتصال . وموضع جملة { لما يلحقوا بهم } موضع الحال ، وينشأ عن هذا المعنى إيماء إلى أن الأمم التي تدخل في الإِسلام بعد المسلمين الأولِينَ يصيرون مثلهم ، وينشأ منه أيضاً رمز إلى أنهم يتعربون لفهم الدين والنطق بالقرآن فكم من معان جليلة حوتها هذه الآية سكت عنها أهل التفسير . وهذه بشارة غيبية بأن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ستبلغ أُمماً ليسوا من العرب وهم فارس ، والأرمن ، والأكراد ، والبربر ، والسودان ، والروم ، والترك ، والتتار ، والمغول ، والصين ، والهنود ، وغيرهم وهذا من معجزات القرآن من صنف الإِخبار بالمغيبات . وفي الآية دلالة على عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لجميع الأمم . والنفي بـلمَّا يقتضي أن المنفي بها مستمر الانتفاء إلى زمن التكلم فيشعر بأنه مترقَّب الثبوت كقوله تعالى { ولمَّا يدخل الإيمان في قلوبكم } الحجرات 14 ، أي وسيدخل كما في « الكشاف » ، والمعنى أن آخرين هم في وقت نزول هذه الآية لم يدخلوا في الإِسلام ولم يلتحقوا بمن أسلم من العرب وسيدخلون في أزمان أخرى . واعلم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم « لو كان الإِيمان بالثريا لناله رجال من هؤلاء » إيماء إلى مثال مما يشمله قوله تعالى { وآخرين منهم } لأنه لم يصرح في جواب سؤال السائل بلفظ يقتضي انحصار المراد بـ { آخرين } في قوم سلمان . وعن عكرمة هم التابعون . وعن مجاهد هم الناس كلهم الذين بُعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم وقال ابن عمر هم أهل اليمن . وقوله { وهو العزيز الحكيم } تذييل للتعجيب من هذا التقدير الإِلٰهي لانتشار هذا الدين في جميع الأمم . فإن { العزيز } لا يغلب قدرته شيء . و { الحكيم } تأتي أفعاله عن قدر محكم .