Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 69, Ayat: 1-3)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ الحاقة } صيغة فاعِل من حقّ الشِيء إذا ثبت وقوعه ، والهاء فيها لا تخلو عن أن تكون هاء تأنيث فتكون { الحاقة } وصفاً لموصوف مقدر مؤنث اللفظ ، أو أن تكون هاء مصدر على وزن فاعلة مثل الكاذبة للكذب ، والخاتمة للختم ، والباقية للبقاء والطاغية للطغيان ، والنافلة ، والخاطئة ، وأصلها تاء المرة ، ولكنها لما أريد المصدر قُطع النظر عن المرة مثل كثير من المصادر التي على وزن فَعْلة غير مراد به المرة مثل قولهم ضَربة لاَزِب . فالحاقة إذْن بمعنى الحق كما يقال « مِن حاقِّ كذا » ، أي من حقه . وعلى الوجهين فيجوز أن يكون المراد بالحاقّة المعنى الوصفي ، أي حادثة تحق أو حَقٌّ يحق . ويجوز أن يكون المراد بها لَقباً ليوم القيامة ، وروي ذلك عن ابن عباس وأصحابه وهو الذي درج عليه المفسرون فلقب بذلك « يوم القيامة » لأنه يوم محقق وقوعُه ، كما قال تعالى { وتنذِر يوم الجمع لا ريب فيه } الشورى 7 ، أو لأنه تحق فيه الحقوق ولا يضاع الجزاء عليها ، قال تعالى { ولا يُظلمون فتيلاً } النساء 49 وقال { فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يَره } الزلزلة 7ــ 8 . وإيثار هذه المادة وهذه الصيغة يسمح باندراج معان صالحة بهذا المقام فيكون ذلك من الإِيجاز البديع لتذهب نفوس السامعين كل مذهب ممكن من مذاهب الهول والتخويف بما يحق حلوله بهم . فيجوز أيضاً أن تكون { الحاقة } وصفاً لموصوف محذوف تقديره الساعة الحاقة ، أو الواقعة الحاقة ، فيكون تهديداً بيوم أو وقعة يكون فيها عقاب شديد للمعرَّض بهم مثل يوم بدر أو وقعتِه وأن ذلك حق لا ريب في وقوعه أو وصفاً للكلمة ، أي كلمة الله التي حقت على المشركين من أهل مكة ، قال تعالى { كذلك حَقَّت كلمة ربّك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار } غافر 6 ، أو التي حقّت للنبي صلى الله عليه وسلم أنه ينصره الله ، قال تعالى { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إِنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون فتولّ عنهم حتى حين } الصافات 171ــ 174 . ويجوز أن تكون مصدراً بمعنى الحق ، فيصح أن يكون وصفاً ليوم القيامة بأنه حق كقوله تعالى { واقترب الوعد الحق } الأنبياء 97 ، أو وصفاً للقرآن كقوله { إن هذا لهو القصص الحق } آل عمران 62 ، أو أريد به الحق كله مما جاء به القرآن من الحق قال تعالى { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق } الجاثية 29 وقال { إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق } الأحقاف 30 . وافتتاح السورة بهذا اللفظ ترويع للمشركين . و { الحاقّة } مبتدأ و { مَا } مبتدأ ثان . و { الحاقّة } المذكورة ثانياً خبر المبتدأ الثاني والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول . و { ما } اسم استفهام مستعمل في التهويل والتعظيم كأنه قيل أتدْري ما الحاقة ؟ أي ما هي الحاقة ، أيْ شيءٌ عظيم الحاقّةُ . وإعادة اسم المبتدأ في الجملة الواقعة خبراً عنه تقوم مقام ضميره في ربط الجملة المخبر بها . وهو من الإِظهار في مقام الإِضمار لقصد ما في الاسم من التهويل . ونظيره في ذلك قوله تعالى { وأصحابُ اليمين ما أصحابُ اليمين } الواقعة 27 . وجملة { ومَا أدراك ما الحاقّة } يجوز أن تكون معترضة بين جملة { ما الحاقّة } وجملة { كذبت ثمود وعاد بالقارعة } الحاقة 4 ، والواو اعتراضية . ويجوز أن تكون الجملة معطوفة على جملة { ما الحاقة } . و { مَا } الثانية استفهامية ، والاستفهام بها مكنَّى به عن تعذر إحاطة علم الناس بكنه الحاقّة لأن الشيء الخارج عن الحد المألوف لا يتصور بسهولة فمن شأنه أن يُتساءل عن فهمه . والخطابُ في قوله { وما أدراك } لغير معيَّن . والمعنى الحاقة أمر عظيم لا تدركون كُنْهَهُ . وتركيب « مَا أدراك كذا » مما جرى مجرى المثل فلا يغير عن هذا اللفظ وهو تركيب مركب من { ما } الاستفهامية وفعل أدرى الذي يتعدى بهمزة التعدية إلى ثلاثة مفاعيل من باب أعلمَ وأرى ، فصار فاعل فعله المجرد وهو دَرى مفعولاً أول بسبب التعدية . وقد علق فعل { أدراك } عن نصب مفعولين بـ { ما } الاستفهامية الثانية في قوله { مَا الحاقّة } . وأصل الكلام قبل التركيب بالاستفهام أن تقول أدركْتُ الحاقّة أمراً عظيماً ، ثم صار أدْركني فلان الحاقّة أمراً عظيماً . و { ما } الأولى استفهامية مستعملة في التهويل والتعظيم على طريقة المجاز المرسل في الحرف ، لأن الأمر العظيم من شأنه أن يستفهم عنه فصار التعظيم والاستفهام متلازمين . ولك أن تجعل الاستفهام إنكارياً ، أي لا يدري أحد كنه هذا الأمر . والمقصود من ذلك على كلا الاعتبارين هو التهويل . هذا السؤال كما تقول علمت هل يسافر فلان . و { مَا } الثالثة علقت فعل { أدراك } عن العمل في مفعولين . وكاف الخطاب فيه خطاب لغير معين فلذلك لا يقترن بضمير تثنية أو جمع أو تأنيث إذا خوطب به غير المفرد المذكر . واستعمال { ما أدراك } غير استعمال { ما يدريك } في قوله تعالى { وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً } الأحزاب 63 وقوله { وما يدريك لعل الساعة قريب } في سورة الشورى 17 . روي عن ابن عباس " كل شيء من القرآن من قوله { ما أدراك } فقد أدرَاه وكل شيء من قوله { وما يدريك } فقد طُوي عنه » . وقد روي هذا أيضاً عن سفيان بن عيينة وعن يحيى بن سلاّم فإن صح هذا المروي فإن مرادهم أن مفعول { ما أدراك } محقق الوقوع لأن الاستفهام فيه للتهويل وأن مفعول { ما يدريك } غير محقق الوقوع لأن الاستفهام فيه للإِنكار وهو في معنى نفي الدراية . وقال الراغب كل موضع ذُكر في القرآن { وما أدراك } فقد عقب ببيانه نحو { وما أدراك ماهيه نار حامية } القارعة 10 ــ 11 ، { وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر } القدر 2 ــ 3 ، { ثم ما أدراك ما يوم الدين يومَ لا تملك نفس لنفس شيئاً } الانفطار 18 ــ 19 ، { وما أدراك ما الحاقّة كذبت ثمود وعاد بالقارعة } الحاقة 3 ــ 4 ، وكأنه يريد تفسير ما نقل عن ابن عباس وغيره . ولم أرَ من اللغويين من وفَّى هذا التركيب حقه من البيان وبعضهم لم يذكره أصلاً .