Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 101-102)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما تكرر ذكر القرى التي كذب أهلها رسل الله بالتعيين وبالتعميم ، صارت للسامعين كالحاضرة المشاهدة الصالحة لأن يشار إليها ، فجاء اسم الإشارة لزيادة إحضارها في أذهان السامعين من قوم محمد صلى الله عليه وسلم ليعتبروا حالهم بحال أهل القرى ، فيروا أنهم سواء فيفيئوا إلى الحق . وجملة { تلك القرى } مستأنفة استئناف الفذلكة لما قبلها من القصص من قوله { لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه } الأعراف 59 ثم قوله تعالى { وما أرسلنا في قرية من نبي } الأعراف 94 الآية . و { القرى } يجوز أن يكون خبراً عن اسم الإشارة لأن استحضار القرى في الذهن بحيث صارت كالمشاهد للسامع ، فكانت الإشارة إليها إشارة عبرة بحالها ، وذلك مفيد للمقصود من الإخبار عنها باسمها لمن لا يجهل الخبر كقوله تعالى { هذا ما كنزتم لأنفسكم } التوبة 35 أي هذا الذي تشاهدونه تُكْوَون به هو كنزكم ، وهم قد علموا أنه كنزهم ، وإنما أريد من الإخبار بأنه كنزهم إظهارُ خطإ فعلهم ، ويجوز أن يكون القرى بياناً لاسم الإشارة . وجملة { نقص عليك من أنبائها } إما حال من { القرى } على الوجه الأول . وفائدة هذه الحال الامتنان بذكر قَصصها ، والاستدلال على نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم إذ علمه الله من علم الأولين ما لم يسبق له علمه ، والوعدُ بالزيادة من ذلك ، لما دل عليه قوله { نقص } من التجدد والاستمرار ، والتعريضُ بالمعرضين عن الإتعاظ بأخبارها . وإمّا خبر عن اسم الإشارة على الوجه الثاني في محمل قوله { القرى } . ومنْ تبعيضية لأن لها أنباء غير ما ذكر هنا مما ذكر بعضه في آيات أخرى وطوى ذكر بعضه لعدم الحاجة إليه في التبليغ . والأنباء الأخبار ، وقد تقدم في قوله تعالى { ولقد جاءك من نبإ المرسلين } في سورة الأنعام 34 . والمراد بالقرى وضمير أنبائها أهلها ، كما دل عليه الضمير في قوله رسلهم . وجملة { ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات } عطف على جملة { تلك القرى } لمناسبة ما في كلتا الجملتين من قصد التنظير بحال المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم وجمع « البينات » يشير إلى تكرر البينات مع كل رسول ، والبينات الدلائل الدالة على الصدق وقد تقدمت عند قوله تعالى { قد جاءتكم بينة من ربكم } في قصة ثمود في هذه السورة 73 . والفاء في قوله { فما كانوا ليؤمنوا } لترتيب الإخبار بانتفاء إيمانهم عن الإخبار بمجيء الرسل إليهم بما من شأنه أن يحملهم على الإيمان . وصيغة { ما كانوا ليؤمنوا } تفيد مبالغة النفي بلام الجحود الدالة على أن حصول الإيمان كان منافياً لحالهم من التصلب في الكفر . وقد تقدم وجه دلالة لام الجحود على مبالغة النفي عند قوله تعالى { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب } الآية في سورة آل عمران 79 . والمعنى فاستمر عدم إيمانهم وتمكّن منهم الكفر في حين كان الشأن أن يقلعوا عنه . و { ما كذبوا } موصول وصلته وحُذف العائد المجرور على طريقة حذف أمثاله إذا جر الموصول بمثل الحرف المحذوف ، ولا يشترط اتحاد متعلقي الحرفين على ما ذهب إليه المحققون منهم الرضي كما في هذه الآية . وما صْدَقُ ما الموصولة ما يدل عليه { كذبوا } ، أي فما كانوا ليؤمنوا بشيء كذبوا به من قبل مما دُعوا إلى الإيمان به من التوحيد والبعث . وشأن ما الموصولة أن يراد بها غير العاقل ، فلا يكون ما صْدقُ ما هنا الرسل ، بل ما جاءت به الرسل ، فلذلك كان فعل { كذبوا } هنا مقدراً متعلّقهُ لفظُ به كما هو الفرق بين كذّبه وكذّب به ، قال تعالى { فكذّبوه فأنجيناه } الأعراف 64 وقال { وكذّب به قومُك وهو الحق } الأنعام 66 وحُذف المتعلق هنا إيجازاً ، لأنه قد سبق ذكر تكذيب أهل القرى ، ابتداء من قوله تعالى { وما أرسلنا في قرية من بني إلاّ أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون } الأعراف 94 وقد سبق في ذلك قوله { ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون } الأعراف 96 ولهذا لم يحذف متعلق فعل { كذبوا } في نظير هذه الآية من سورة يونس . والمعنى ما أفادتهم البينات أن يؤمنوا بشيء كان بَدَرَ منهم التكذيب به في ابتداء الدعوة ، فالمضاف المحذوف الذي دل عليه بناء { قبلُ } على الضم تقديره من قبللِ مجيء البينات . وأسند نفي الإيمان إلى ضمير جميع أهل القرى باعتبار الغالب ، وهو استعمال كثير ، وسيُخرج المؤمنون منهم بقوله { وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين } . ومعنى قوله { كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين } مثلَ ذلك الطبع العجيب المستفاد من حكاية استمرارهم على الكفر ، والمؤذن به فعل { يطبع } ، وقد تقدم نظائره غير مرة ، منها عند قوله تعالى { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً } في سورة البقرة 143 . وتقدم معنى الطبع عند قوله تعالى { بل طبع الله عليها بكفرهم } في سورة النساء 155 . وإظهار المسند إليه في جملة { يطبع الله } دون الإضمار لما في إسناد الطبع إلى الاسم العلم من صراحة التنبيه على أنه طبع رهيب لا يغادر للهدى منفذاً إلى قلوبهم كقوله تعالى { هذا خلق الله } لقمان 11 دون أن يقول هذا خلقي ، ولهذا اختير له الفعل المضارع الدال على استمرار الختم وتجدده . والقلوب العقول ، والقلب ، في لسان العرب من أسماء العقل ، وتقدم عند قوله تعالى { ختم الله على قلوبهم } في سورة البقرة 7 . والتعريف في { الكافرين } تعريف الجنس ، مفيد للاستغراق ، أي جميع الكافرين ممن ذكر وغيرهم . وفي قوله { ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات } إلى آخر الآية ، تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم بأن ما لقيه من قومه هو سنّة الرسل السابقين ، وأن ذلك ليس لتقصير منه ، ولا لضعف آياته ، ولكنه للختم على قلوب كثير من قومه . وعطفت جملة { وما وجدنا لأكثرهم من عهد } على جملة { ولقد جاءتهم رسلهم } وما رتب عليها من قوله { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل } تنبيهاً على رسوخ الكفر من نفوسهم بحيث لم يقلعه منهم لا ما شاهدوه من البينات ، ولا ما وضعه الله في فطرة الإنسان من اعتقاد وجود إلٰه واحد وتصديق الرسل الداعين إليه ، ولا الوفاءُ بما عاهدوا عليه الرسل عند الدعوة إنهم إن أتوهم بالبينات يؤمنون بها . والوجدان في الموضعين مجاز في العلم ، فصار من أفعال القلوب ، ونفيه في الأول كناية عن انتفاء العهد بالمعنى المقصود ، أي وفائه ، لأنه لو كان موجوداً لعَلمه مَنْ شأنه أن يعلمَه ويبحث عنه عند طلب الوفاء به ، لا سيما والمتكلم هو الذي لا تخفى عليه خافية كقوله { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً } الأنعام 145 الآية ، أي لا محرم إلاّ ما ذكر ، فمعنى { وما وجدنا لأكثرهم من عهد } ما لأكثرهم عهد . والعهدُ الالتزامُ والوعدُ المؤكّدُ وقوعُه ، والمُوَثّقُ بما يمنع من إخلافه من يمين ، أو ضمان ، أو خشية مسبة ، وهو مشتق من عَهِد الشيء بمعنى عَرفه ، لأن الوعد المؤكد يعرفه ملتزمه ويحرص أن لا ينساه . ويسمى إيقاع ما التزمه الملتزم من عهده الوفاءَ بالعهد ، فالعهد هنا يجوز أن يراد به الوعد الذي حققَه الأممُ لرسلهم مثل قولهم فأننا بآية إن كنت من الصادقين ، فإن معنى ذلك إن أتيتنا بآية صدقناك . ويجوز أن يراد به وعد وثقه أسلاف الأمم من عهد آدم أن لا يعبدوا إلاّ الله وهو المذكور في قوله تعالى { ألَمْ أعْهَدْ إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان } يس 60 الآية ، فكان لازماً لأعقابهم . ويجوز أن يراد به ما وعَدت به أرواح البشر خالقها في الأزل المحكيُ في قوله تعالى { وإذْ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريّاتهم وأشهدهم على أنفسهم ألسّتُ بربّكم قالوا بلى شهدنا } الأعراف 172 الآية . وهو عبارة عن خلق الله فطرة البشرية معتقدة وجود خالقها ووحدانيتَه ، ثم حرفتها النزعات الوثنية والضلالات الشيطانية . ووقوع اسم هذا الجنس في سياق النفي يقتضي انتفاءه بجميع المعاني الصادق هو عليها . ومعنى انتفاء وجدانه . هو انتفاء الوفاء به ، لأن أصل الوعد ثابت موجود ، ولكنه لما كان تحققه لا يظهر إلاّ في المستقبل ، وهو الوفاء ، جعل انتفاء الوفاء بمنزلة انتفاء الوقوع ، والمعنى على تقدير مضاف ، أي ما وجدنا لأكثرهم من وفاء عهد . وإنما عدّي عدم وجدان الوفاء بالعهد في { أكثرهم } للإشارة إلى إخراج مؤمني كل أمة من هذا الذم ، والمراد بأكثرهم ، أكثر كل أمة منهم ، لا أمة واحدة قليلة من بين جميع الأمم . وقوله { وإنْ وجدْنا أكثرهم لفَاسقين } إخبار بأن عدم الوفاء بالعهد من أكثرهم كان منهم عن عمد ونكث ، ولكون ذلك معنى زائداً على ما في الجملة التي قبلها عطفت ولم تجعل تأكيداً للتي قبلها أو بياناً ، لأن الفسق هو عصيان الأمر ، وذلك أنهم كذبوا فيما وعدوا عن قصد للكفر . وإنْ مخففة من الثقيلة ، وبعدها مبتدأ محذوف هو ضمير الشأن ، والجملة خبر عنه تنويهاً بشأن هذا الخبر ليعلمه السامعون . واللام الداخلة في خبر { وجدنا } لام ابتداء ، باعتبار كون ذلك الخبر خبراً من جملة هي خبر عن الاسم الواقع بعد إنْ ، وجلبت اللام للتفرقة بين المخففة والنافية . وقد تقدم نظير هذا عند قوله تعالى { وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } آل عمران 164 . وأسند حكم النكث إلى أكثر أهل القرى ، تبيناً لكون ضمير { فما كانوا ليؤمنوا } جرى على التغليب ، ولعل نكتة هذا التصريح في خصوص هذا الحكم أنه حكم مذمة ومسبة ، فناسبت محاشاة من لم تلتصق به تلك المسبة .