Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 148-148)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
عطف على جملة { وواعدنا موسى } الأعراف 142 عطَف قصة على قصة ، فذكر فيما تقدم قصة المناجاة ، وما حصل فيها من الآيات والعبر ، وذكر في هذه الآية ما كان من قوم موسى ، في مدة مغيبه في المناجاة ، من الإشراك . فقوله { من بعده } أي من بعد مغيبه ، كما هو معلوم من قوله { ولما جاء موسى لميقاتنا } الأعراف 143 ومن قوله { وقال موسى لأخيه هارون اخلفْني في قومي } الأعراف 142 . وحَذْفُ المضاف مع « بَعْد » المضافةِ إلى اسم المتحّدث عنه شائع في كلام العرب ، كما تقدم في نظيرها من سورة البقرة . ومِن في مثله للابتداء ، وهو أصل معاني مِن وأما مِن في قوله { من حليَّهم } فهي للتبعيض . والحُلّي بضم الحاء وكسر اللام وتشديد المثناة التحتية ، جمع حَلْي ، بفتح الحاء وسكون اللام وتخفيف التحتية ، ووزن هذا الجمع فُعول كما جمع ثدْي ، ويجمع أيضاً على حِلي ، بكسر الحاء مع اللام ، مثل عِصي وقِسي اتباعاً لحركة العين ، وبالأول قرأ جمهور العشرة ، وبالثاني حمزة ، والكسائي ، وقرأ يعقوب حَلْيهم بفتح الحاء وسكون اللام على صيغة الإفراد ، أي اتخذوا من مصوغهم وفي التوراة أنهم اتخذوه من ذهب ، نزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائِهم وبناتهم وبنيهم . والعجل ولد البقرة قبل أن يصير ثَوْراً ، وذكر في سورة طه أن صانع العجل رجل يقال له السامري ، وفي التوراة أن صانعه هو هارون ، وهذا من تحريف الكلم عن مواضعه الواقع في التوراة بعد موسى ، ولم يكن هارون صائِغاً ، ونسب الاتخاذ إلى قوم موسى كلهم على طريقة المجاز العقلي ، لأنهم الآمرون باتخاذه والحريصون عليه ، وهذا مجاز شائِع في كلام العرب . ومعنى اتخذوا عِجلاً صورة عِجْل ، وهذا من مجاز الصورة ، وهو شائِع في الكلام . والجسد الجسم الذي لا روح فيه ، فهو خاص بجسم الحيوان إذا كان بلا روح ، والمراد أنه كجسم العجل في الصورة والمقدار إلاّ أنه ليس بحي وما وَقع في القصص إنه كان لحماً ودماً ويأكل ويشرب ، فهو من وضع القصاصين ، وكيف والقرآنِ يقول { من حُليهم } ، ويقول { له خوار } ، فلو كان لحماً ودماً لكان ذكره أدخل في التعجيب منه . والخُوار بالخاء المعجمة صوت البقر ، وقد جعل صانع العجل في باطنه تجْويفاً على تقدير من الضيق مخصوص ، واتخذ له آلة نافخة خفية ، فإذا حركت آلة النفخ انضغط الهواء في باطنه ، وخرج من المضيق ، فكان له صوت كالخوار ، وهذه صنعة كصنعة الصفارة والمزمار ، وكان الكنعانيون يجعلون مثل ذلك لصنعهما المسمى بعْلاً . و { جسداً } نعت لــــ { عجلاً } وكذلك { له خوار } . وجملة { ألم يروا أنه لا يكلمهم } مستأنفة استئنافاً ابتدائياً لبيان فساد نظرهم في اعتقادهم . والاستفهام للتقرير وللتعجيب من حالهم ، ولذلك جعل الاستفهام عن نفي الرؤية ، لأن نفي الرؤية هو غير الواقع من حالهم في نفس الأمر ، ولكن حالهم يشبه حال من لا يرون عدم تكليمه ، فوقع الاستفهام عنه لعلهم لم يروا ذلك ، مبالغة ، وهو للتعجيب وليس للإنكار ، إذ لا ينكر ما ليس بموجود ، وبهذا يعلم أن معنى كونه في هذا المقام بمنزلة النفي للنفي إنما نشأ من تنزيل المسؤول عنهم منزلة من لا يرى ، وقد تقدم بيان ذلك عند قوله تعالى { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم } في سورة البقرة 243 . والرؤية بصرية ، لأن عدم تكليم العجل إياهم مشاهد لهم ، لأن عدم الكلام يرى من حال الشيء الذي لا يتكلم ، بانعدام آلة التكلم وهو الفم الصالح للكلام ، وبتكرر دعائهم إياه وهو لا يجيب . وقد سفه رأي الذين اتخذوا العجل إلاهاً ، بأنهم يشاهدون أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلاً ، ووجه الاستدلال بذلك على سفه رأيهم هو أنهم لا شبهة لهم في اتخاذه إلاهاً بأن خصائصه خصائص العجماوات ، فجسمه جسم عجل ، وهو من نوع ليس أرقى أنواع الموجودات المعروفة ، وصوته صوت البقر ، وهو صوت لا يفيد سامعه ، ولا يبين خطاباً ، وليس هو بالذي يهديهم إلى أمر يتبعونه حتى تغني هدايتهم عن كلامه ، فهو من الموجودات المنحطة عنهم ، وهذا كقول إبراهيم { فاسْألوهم إن كانوا ينطقون } الأنبياء 63 فماذا رأوا منه مما يستأهل الإلهية ، فضلاً على أن ترتقي بهم إلى الصفات التي يستحقها الإله الحق ، والذين عبدوه أشرف منه حالاً وأهدى ، وليس المقصود من هذا الاستدلال على الألوهية بالتكليم والهداية ، وإلا للزم إثبات الإلهية لحكماء البشر . وجملة { اتخذوه } مؤكدة لجملة { واتخذ قوم موسى } فلذلك فصلت ، والغرض من التوكيد في مثل هذا المقام هو التكرير لأجل التعجيب ، كما يقال نَعمْ اتخذوه ، ولتبنى عليه جملة { وكانوا ظالمين } فيظهرَ أنها متعلقة باتخاذ العجل ، وذلك لبعد جملة { واتخذ قوم موسى } بما وليها من الجملة وهذا كقوله { وليكتب بينكم كاتب بالعدل } البقرة 282 ــــ إلى قوله ــــ { فليكتب } البقرة 282 أعيد فليكتب لتُبنى عليه جملة { وليُملل الذي عليه الحق } البقرة 282 ، وهذا التكرير يفيد معَ ذلك التوكيدَ وما يترتب على التوكيد . وجملة { وكانوا ظالمين } في موضع الحال من الضمير المرفوع في قوله { اتخذوه } وهذا كقوله في سورة البقرة 51 { ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون }