Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 191-192)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الآيات الثلاث كلام « معترض بين الكلامين المسوقين لتوبيخ المشركين وإقامة الحجة عليهم ، مُخاطب بها النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمون ، للتعجيب من عقول المشركين ، وفيه تعريض بالرد عليهم لأنه يبلُغ مسامعهم . والاستفهام مستعمل في التعجيب والإنكار . وصيغة المضارع في يشركون دالة على تجدد هذا الإشراك منهم . ونفي المضارع في قوله { ما لا يَخلق } للدلالة على تجدد نفي الخالقية عنهم . وأصل معنى التجدد ، الذي يدل عليه المسند الفِعلي ، هو حدوث معنى المسند للمسند إليه ، وأنه ليس مجرد ثبوت وتقرر ، فيعلم منه أنهم لا يخلُقون في الاستقبال ، وأنهم ما خَلقوا شيئاً في الماضي ، لأنه لو كان الخلق صفة ثابتة لهم لكان متقرراً في الماضي والحال والاستقبال . وضمير الغيبة في { وهم يخلقون } يجوز عندي أن يكون عائداً إلى ما عاد إليه ضمير { يشركون } الأعراف 190 ، أي والمشركون يُخلقون ، ومعنى الحال زيادة تفظيع التعجيب من حالهم لإشراكهم بالله أصنافاً لا تخلق شيئاً في حال أن المشركين يُخلقون يوماً فيوماً ، أي يتجدد خلقهم ، والمشركون يشاهدون الأصنامَ جاثمة في بيوتها ومواضعها لا تصنع شيئاً فصيغة المضارع دالة على الاستمرار بقرينة المقام . ودلالة المضارع على الاستمرار والتكرر دلالة ناشئة عن معنى التجدد الذي في أصل المسند الفعلي ، وهي دلالة من مستتبعات التركيب بحسب القرائن المعيّنة لها ولا توصف بحقيقة ولا مجاز لذلك ، ومعنى تجدد مخلوقيتهم هو أن الضمير صادق بأمة وجماعة ، فالمخلوقية لا تفارقهم لأنها تتجدد آنا فآنا بازدياد المواليد ، وتغير أحوال المواجيد ، كما قال تعالى { خلقاً من بعد خَلْقٍ } الزمر 6 فتكون جملة { وهم يخلقون } حالاً من ضمير { أيشركون } . والمفسرون أعادوا ضمير و { هم يخلقون } على مَا لاَ يَخْلُق ، أي الأصنام ، ولم يبينوا معنى كون الأصنامَ مخلوقة وهي صُورٌ نحتها الناس ، وليست صُورها مخلوقة لله ، فيتعين أن المراد أن مادتها مخلوقة وهي الحجارة . وجعلوا إجراء ضمائر العقلاء في قوله { وهم } ــــ وقوله ــــ { يُخلقون } وما بعده على الأصنام وهي جمادات لأنهم نُزلوا منزلة العقلاء ، بناء على اعتقاد المحجوجين فيهم ، ولا يظهر على لهذا التقدير وجهُ الاتيان بفعل يخلقون بصيغة المضارع لأن هذا الخلق غير متجدد . والضمير المجررو باللام في { لهم نَصراً } عائد إلى المشركين ، لأن المجرور باللام بعد فعل الاستطاعة ونحوه هو الذي لأجله يقع الفعل مثل { لا يَمْلكون لكم رزقاً } العنكبوت 17 . وجملة { ولا يستطيعون لهم نصراً } عطف على جملة { مالا يخلق شيئاً } فتكون صلة ثانية . والقول في الفعلين من { لا يستطيعون ولا أنفسهم ينصرون } كالقول في { ما لاَ يَخلق شيئاً } . وتقديم المفعول في { ولا أنفسهم ينصرون } للاهتمام بنفي هذا النصر عنهم ، لأنه أدل على عجز تلك الآلهة لأن من يقصّر في نصر غيره لا يقصِّر في نصر نفسه لو قدر . والمعنى أن الأصنام لا ينصرون من يعبدونهم إذا احتاجوا لنصرهم ولا ينصرون أنفسهم إن رام أحد الاعتداء عليها . والظاهر أن تخصيص النصر من بين الأعمال التي يتخيلون أن تقوم بها الأصنام مقصود منه تنبيه المشركين على انتفاء مقدرة الأصنام على نفعهم ، إذ كان النصر أشد مرغوب لهم ، لأن العرب كانوا أهل غارات وقتال وتراث ، فالانتصار من أهم الأمور لديهم قال تعالى { واتخذوا من دون الله آلهةً لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم } يس 74 ، 75 وقال تعالى { واتخذوا من دون الله آلهةً ليكونوا لهم عزاً كلا سيكفرون بعبادتهم } مريم 81 ، 82 ، قال أبو سفيان يوم أُحد « أعْلُ هبل » ــــ وقال أيضاً ــــ « لنا العُزى ولا عُزى لكم » وأن الله أعلم المسلمين بذلك تعريضاً بالبشارة بأن المشركين سيُغلبون قال { قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد } آل عمران 12 وأنهم سيمحقون الأصنام ولا يستطيع أحد الذب عنها .