Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 20-21)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كانت وسوسة الشّيطان بقرب نهي آدم عن الأكل من الشّجرة ، فعبّر عن القرب بحرف التّعقيب إشارة إلى أنّه قرب قريب ، لأنّ تعقيب كلّ شيء بحسبه . والوسوسة الكلام الخفي الذي لا يسمعه إلاّ المُداني للمتكلّم ، قال رؤبة يصف صائداً @ وَسْوَسَ يَدعُو جاهداً ربّ الفلق سِرّاً وقد أوّنَ تَأوِينُ العُقق @@ وسمي إلقاء الشيطان وسوسة لأنّه ألقَى إليهما تسويلاً خفياً من كلاممٍ كلمهما أو انفعاللٍ في أنفسهما . كهيئة الغاش الماكر إذْ يُخفِي كلاماً عَن الحاضرين كيلا يفسدوا عليه غشّه بفضح مضاره فألقى لهما كلاماً في صورة التّخافت ليوهمهما أنّه ناصح لهما وأنّه يخافت الكلام ، وقد وقع في الآية الأخرى التّعبير عن تسويل الشّيطان بالقول { فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلّك على شجرة الخُلْد وملك لا يبلى } طه 120 ثمّ درج اصطلاح القرآن وكلام الرّسول عليه الصّلاة والسّلام على تسمية إلقاء الشّيطان في نفوس النّاس خواطرَ فاسدة ، وسوسة تقريباً لمعنى ذلك الإلقاء للأفهام كما في قوله { من شر الوسواس الخنّاس } الناس 4 وهذا التّفصيل لإلقاء الشّيطان كيده انفردت به هذه الآية عن آية سورة البقرة لأنّ هذه خطاب شامل للمشركين وهم أخلياء عن العلم بذلك فناسب تفظيع أعمال الشّيطان بمسمع منهم . واللاّم في { ليبدي } لام العاقبة إذا كان الشّيطان لا يعلم أنّ العصيان يفضي بهما إلى حدوث خاطر الشرّ في النّفوس وظهور السوآت ، فشبّه حصول الأثر عقب الفعل بحصول المعلول بعد العلّة كقوله تعالى { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً } القصص 8 وإنّما التقطوه ليكون لهم قرّة عين ، وحسن ذلك أن بدوّ سوآتهما ممّا يرضي الشّيطان . ويجوز أن تكون لام العلّة الباعثة إذا كان الشيطان يعلم ذلك بالإلهام أو بالنّظر ، فالشّيطان وسوس لآدم وزوجه لغرض إيقاعهما في المعصية ابتداء ، لأنّ ذلك طبعه الذي جبل على عمله ، ثم لغرض الإضرار بهما ، إذ كان يعلم أنّهما يعصيان الله بالأكل من الشّجرة ، ولمّا كان عدُوّاً لهما كان يسعى إلى مَا يؤذيهما ، ويحسدهما على رضَى الله عنهما ، ويعلم أنّ العصيان يُفضي بهما إلى سوء الحال على الإجمال ، فكان مظهر ذلك السوء إبداءَ السوْآت ، فجُعل مفصِّلُ العلّة المجملة عند الفاعل هو العلّةَ ، وإن لم تخطر بباله ، ويحتمل أن يكون الشّيطان قد علم ذلك بعلم حصل له من قبل . والحاصلُ أنّه أراد الإضْرار ، لأنّه قد استقرّ في طبعه عداوة البشر ، كما سيصرّح به فيما بعدُ ، وفي قوله تعالى { إن الشّيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً } فاطر 6 . والإبداء ضدّ الإخفاء ، فالإبداء كشف الشّيء وإظهاره ، ويطلق مجازاً على معرفة الشّيء بعد جهله يقال بدَا لي أنْ أفعل كذا . وأسند إبداءُ السوْآت إلى الشّيطان لأنّه المتسبّب فيه على طريقة المجاز العقلي والسوآت جمعُ سوْأة وهي اسم لما يسوء ويتعيّر به من النّقايص ، ومِن سَب العرب قولهم سوأةً لك ، ومن تلهّفهم يا سوْأتَا . ويكنّى بالسوأة عن العورة . ومعنى ووُري عنهما حجب عنهما وأخفي ، مشتقاً من المواراة وهي التّغطيّة والإخفاء وتطلق المواراة مجازاً على صرف المرء عن علم شيء بالكتمان أو التّلبيس . والسّوآت هنا يجوز أن تكون جمع السوأة للخصلة الذّميمة كما في قول أبي زبيد @ لَم يَهْب حُرمة النّديم وحُقَّت يا لَقَوْمي للسوأةِ السوآءِ @@ فتكون صيغة الجمع على حقيقتها ، والسّوآت حينئذٍ مستعمل في صريحه ، ويجوز أن تكون جمع السوأة ، المكنى بها عن العورة ، وقد روي تفسيرها بذلك عن ابن عبّاس كقوله تعالى { قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم } الأعراف 26 وعلى هذا فصيغة الجمع مستعملة في الاثنين للتّخفيف كقوله تعالى { فقد صَغَت قلوبكما } التحريم 4 . وسيجيء تحقيق معنى هذا الإبداء عند قوله تعالى بعد هذا { فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما } الأعراف 22 . وعطفُ جملة { وقال ما نهاكما ربكما } على جملة { فوسوس } يدلّ على أنّ الشّيطان وسوس لهما وسوسة غيرَ قوله { ما نهاكما } إلخ ثمّ ثنى وسوسته بأن قال مَا نهاكما ، ولو كانت جملة { ما نهاكما } إلى آخرها بياناً لجملة { فوسوس } لكانت جملة { وقال ما نهاكما } بدون عاطف ، لأنّ البيان لا يعطف على المبيَّن . وفي هذا العطف إشعار بأنّ آدم وزوجه تردّدا في الأخذ بوسوسة الشّيطان فأخذ الشيطان يراودهما . ألا ترى أنّه لم يعطف قوله ، في سورة طه 120 { فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى } فإنّ ذلك حكاية لابتداء وسوسته فابتدأ الوسوسة بالإجمال فلم يعيّن لآدم الشّجرة المنهي عن الأكل منها استنزالاً لطاعته ، واستزلالاً لقدمه ، ثمّ أخذ في تأويل نهي الله إياهما عن الأكل منها فقال ما حكي عنه في سورة الأعراف { ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين } الآية فأشار إلى الشّجرة بعد أن صارت معروفة لهما زيادة في إغرائِهما بالمعصية بالأكل من الشّجرة ، فقد وزّعت الوسوسة وتذييلها على السّورتين على عادة القرآن في الاختصار في سوْق القصص اكتفاء بالمقصود من مغزى القصّة لئلا يصير القصصُ مقصداً أصلياً للتنزيل . والإشارة بقوله { عن هذه لشجرة } إلى شجرة معيّنة قد تبيّن لآدم بعد أن وسوس إليه الشّيطان أنّها الشّجرة التي نهاه الله عنها ، فأراد إبليس إقدامه على المعصية وإزالة خوفه بإساءة ظنّه في مراد الله تعالى من النّهي . والاستثناء في قوله { إلا أن تكونا ملكين } استثناء من علل ، أي ما نهاكما لعلّة وغرض إلاّ لغرض أن تكونا مَلكين ، فتعين تقدير لام التّعليل قبل أنْ وحذف حروف الجرّ الدّاخلة على أنْ مطرد في كلام العرب عند أمن اللّبس . وكونُهما مَلكين أو خالدَيْن علّة للنّهي أي كونكما ملَكين هو باعث النّهي ، إلاّ أنّه باعث باعتبار نفي حصوله لا باعتبار حصوله ، أي هو علّة في الجملة ، ولذلك تأوّله سيبويه والزمخشري بتقدير كراهة أن تكونا . وهو تقدير معنى لا تقدير إعراب ، كما تقدّم في سورة الأنعام ، وقيل حذفت لا بعد أن وحذفها موجود ، وبذلك تأوّل الكوفيون وقد تقدم القول فيه . وقد أوهم إبليس آدم وزوجه أنّهما متمكّنان أن يصيرا ملكين من الملائكة ، إذا أكلا من الشّجرة ، وهذا من تدجيله وتلبيسه إذْ ألفى آدم وزوجه غير متبصّريْن في حقائق الأشياء ، ولا عالِمَيْن المقدار الممكن في انقلاب الأعيان وتطوّرِ الموجودات ، وكانا يشاهدان تفضيل الملائكة عند الله تعالى وزلفاهم وسعة مقدرتهم ، فأطمعهما إبليس أن يصيرا من الملائكة إذا أكلا من الشّجرة ، وقيل المراد التشبيهُ البليغ أي إلاّ أن تكونا في القرب والزلفى كالمَلكين ، وقد مثل لهما بما يعرفان من كمال الملائكة . وقوله { أو تكونا من الخالدين } عطف على { أن تكونا ملكين } وأصل أو الدّلالة على التّرْديد بين أحد الشّيئين أو الأشياء ، سواء كان مع تجويز حصول المتعاطفات كلّها فتكون للإباحة بعد الطّلب ، وللتّجويز بعد الخبر أو للشكّ أم كان مع منع البعض عند تجويز البعض فتكون للتّخيير بعد الطّلب وللشكّ أو التّرْديد بعد الخبر ، والتّرديدُ لا ينافي الجزم بأن أحد الأمرين واقع لا محالة كما هنا ، فمعنى الكلام أن الآكل من هذه الشّجرة يكون مَلَكاً وخالداً ، كما قال عنه في سورة طه 120 { هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى } فجعل نهي الله لهما عن الأكل لاَ يَعدو إرادة أحد الأمرين ، ويستفاد من المقام أنّه قد يريد حرمانهما من الأمرين جميعاً بدلالة الفحوى ، ولم يكن آدم قد علم حينئذ أنّ الخلود متعذر ، وأنّ الموت والحشر والبعث مكتوب على النّاس ، فإنّ ذلك يتلقّى من الوحي كما في قوله تعالى لهما في الآية الأخرى { ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين } البقرة 36 . { وقاسمهما } أي حلف لهما بما يوهم صدقه ، والمقاسمة مفاعلة من أقسم إذا حلف ، حذفت منه الهمزة عند صوغ المفاعلة ، كما حذفت في المكارمة ، والمفاعلةُ هنا للمبالغة في الفعل ، وليست لحصول الفعل من الجانبين ، ونظيرها عافاه الله ، وجعله في « الكشاف » كأنّهما قالا له تُقسم بالله إنّك لمن النّاصحين فَأقْسم فجُعل طلبُهما القسمَ بمنزلة القسم ، أي فتكون المفاعلة مجازاً ، قال أو أقسم لهما بالنّصيحة وأقسما له بقبولها ، فتكون المفاعلة على بابها ، وتأكيد إخباره عن نفسه بالنّصح لهما بثلاث مؤكدَات دليل على مبلغ شكّ آدم وزوجه في نصحه لهما ، وما رأى عليهما من مخائل التّردّد في صدقه ، وإنّما شكّا في نصحه لأنّهما وَجدا ما يأمرهما مخالفاً لما أمرهما الله الذي يعلمان إرادتَه بهما الخير علماً حاصلاً بالفطرة .