Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 48-49)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

التّعريف في قوله { أصحاب الأعراف } للعهد بقرينة تقدّم ذكره في قوله { وعلى الأعراف رجال } الأعراف 46 وبقرينة قوله هنا { رجالاً يعرفونهم } إذ لا يستقيم أن يكون أولئك الرّجال يناديهم جميع من كان على الأعراف ، ولا أن يَعرفهم بسيماهم جميع الذين كانوا على الأعراف ، مع اختلاف العصور والأمم ، فالمقصود بأصحاب الأعراف هم الرّجال الذين ذكروا في الآية السابقة بقوله { وعلى الأعراف رجال } الأعراف 46 كأنّه قيل ونادى أولئك الرّجالُ الذين على الأعراف رجالاً . والتّعبير عنهم هنا بأصحاب الأعراف إظهار في مقام الإضمار ، إذ كان مقتضى الظّاهر أن يقال . ونادوا رجالاً ، إلاّ أنّه لما تعدّد في الآية السّابقة ما يصلح لعود الضّمائر إليه وقع الإظهار في مقام الإضمار دفعاً للالتباس . والنّداء يؤذن ببعد المخاطب فيظهر أنّ أهل الأعراف لما تطلّعوا بأبصارهم إلى النّار عرفوا رجالاً ، أو قَبْلَ ذلك لمّا مُرّ عليهم بأهل النّار عرفوا رجالاً كانوا جبارين في الدّنيا . والسيما هنا يتعيّن أن يكون المراد بها المشخّصات الذاتية التي تتميّز بها الأشخاص ، وليست السيما التي يتميّز بها أهل النّار كلّهم كما هو في الآية السّابقة . فالمقصود بهذه الآية ذكر شيء من أمر الآخرة ، فيه نذارة وموعظة لجبابرة المشركين من العرب الذين كانوا يحقرون المستضعفين من المؤمنين ، وفيهم عبيد وفقراء فإذا سمعوا بشارات القرآن للمؤمنين بالجنّة سكتوا عمن كان من أحرار المسلمين وسادتهم . وأنكروا أن يكون أولئك الضّعاف والعبيد من أهل الجنّة ، وذلك على سبيل الفرض ، أي لو فرضوا صدق وجود جنّة ، فليس هؤلاء بأهل لسكنى الجنّة لأنّهم ما كانوا يؤمنون بالجنّة ، وقصدهم من هذا تكذيب النّبيء صلى الله عليه وسلم وإظهار ما يحسبونه خَطلا من أقواله ، وذلك مثل قولهم { هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد } سبأ 7 فجعلوا تمزّق الأجساد وفناءها دليلا على إبطال الحشر ، وسكتوا عن حشر الأجساد التي لم تمزّق . وكلّ ذلك من سوء الفهم وضعف الإدراك والتّخليط بين العاديات والعقليات . قال ابن الكلبي « ينادي أهل الأعراف وهم على السور يَا وليدُ بنَ المغيرة يا أبَا جهل بنَ هشام يا فلان ويا فلان » فهؤلاء من الرّجال الذين يعرفونهم بسيماهم وكانوا من أهل العزّة والكبرياء . ومعنى { جمعكم } يحتمل أن يكون جَمْع النّاس ، أي ما أغنت عنكم كثرتكم التي تعتزّون بها ، ويحتمل أن يراد من الجمع المصدر بمعنى اسم المفعول . أي ما جمعتموه من المال والثّروة كقوله تعالى { ما أغنى عني ماليه } الحاقة 28 . ومَا الأولى نافية ، ومعنى { ما أَغْنَى } ما أَجْزَى مصدره الغَناء ــــ بفتح الغين وبالمدّ ــــ . والخبر مستعمل في الشّماتة والتّوقيف على الخطأ . وما الثّانية مصدريّة ، أي واستكباركم الذي مضى في الدّنيا ، ووجه صوغه بصيغة الفعل دون المصدر إذ لم يقل استكباركم ليتوسّل بالفعل إلى كونه مضارِعا فيفيد أنّ الاستكبار كان دأبَهم لا يفترون عنه . وجملة { أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة } من كلام أصحاب الأعراف . والاستفهام في قوله { أهؤلاء الذين أقسمتم } مستعمل في التّقرير . والإشارة بــــ { أهؤلاء } إلى قوم من أهل الجنّة كانوا مستضعفين في الدّنيا ومحقرين عند المشركين بقرينة قوله { الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة } ــــ وقوله ــــ { ادخلوا الجنة } قال المفسّرون هؤلاء مثل سلمانَ ، وبلال ، وخبَّاب ، وصُهَيب من ضعفاء المؤمنين ، فإما أن يكونوا حينئذ قد استقرّوا في الجنّة فَجَلاَهم الله لأهل الأعراف وللرّجال الذين خاطبوهم ، وإمّا أن يكون ذلك الحِوار قد وقع قبل إدخالهم الجنّة . وقسمُهم عليهم لإظهار تصلّبهم في اعتقادهم وأنّهم لا يخامرهم شكّ في ذلك كقوله تعالى { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت } النحل 38 . وقوله { لا ينالهم الله برحمة } هو المقسم عليه ، وقد سلّطوا النّفي في كلامهم على مراعاة نفي كلام يقوله الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أو المؤْمنون ، وذلك أنّ بشارات القرآن أولئك الضّعفاءَ ، ووعدَه إياهم بالجنّة ، وثناءَه عليهم نُزل منزلة كلام يقول إنّ الله ينالهم برحمة ، أي بأن جُعل إيواء الله إياهم بدار رحمته ، أي الجنّة ، بمنزلة النَّيْل وهو حصول الأمر المحبوب المبحُوث عنه كما تقدّم في قوله { أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب } الأعراف 37 آنفاً ، فأطلق على ذلك الإيواءِ فعل يَنال على سبيل الاستعارة . وجعلت الرّحمة بمنزلة الآلة للنَّيل كما يقال نال الثّمرة بمحجن . فالباء للآلة . أو جعلت الرّحمة ملابسة للنَّيل فالباء للملابسة . والنّيل هنا استعارة ، وقد عمدوا إلى هذا الكلام المقدّر فنفوه فقالوا { لا ينالهم الله برحمة } . وهذا النّظم الذين حكي به قسمهم يؤذن بتهكّمهم بضعفاء المُؤمنين في الدّنيا ، وقد أغفل المفسّرون تفسير هذه الآية بحسب نظمها . وجملة { ادخلوا الجنة } قيل مقول قول محذوف اختصاراً لدلالة السّياق عليه ، وحذفُ القول في مثله كثير ولا سيما إذا كان المقول جملة إنشائيّة ، والتّقدير قال لهم الله ادخلوا الجنّة فكذّب اللَّهُ قسمَكُم وخيّب ظنّكم ، وهذا كلّه من كلام أصحاب الأعراف ، والأظهر أن يكون الأمر في قوله { ادخلوا الجنة } للدّعاء لأنّ المشار إليهم بهؤلاء هم أناس من أهل الجنّة ، لأنّ ذلك الحين قد استقرّ فيه أهل الجنّة في الجنّة وأهلُ النّار في النّار ، كما تقتضيه الآيات السّابقة من قوله { ونادوا أصحابَ الجنّة أنْ سلام عليكم } الأعراف 46 إلى قوله { القومِ الظالمين } الأعراف 47 فلذلك يتعيّن جعل الأمر للدّعاء كما في قول المعرّي @ ابْقَ في نعمة بقاءَ الدّهور نافِذاً لحُكْم في جميع الأمور @@ وإذ قد كان الدّخول حاصلاً فالدّعاء به لإرادة الدّوام كما يقول الدّاعي على الخارج أخرج غير مأْسوففٍ عليك ، ومنه قوله تعالى { وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين } . ورفُع { خوف } مع لا لأنّ أسماء أجناس المعاني التي ليست لها أفراد في الخارج يستوي في نفيها بلا الرّفعُ والفتحُ ، كما تقدّم عند قوله تعالى { فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } الأعراف 35 .