Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 58-58)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
جملة معترضة بين جملة { كذلك نخرج الموتى } الأعراف 57 وبين جملة { لقد أرسلنا نوحاً } الأعراف 59 تتضمّن تفصيلاً لمضمون جملة { فأخرجنا به من كل الثمرات } الأعراف 57 إذ قد بيّن فيها اختلاف حال البلد الذي يصيبه ماء السّحاب ، دعا إلى هذا التّفصيل أنّه لما مُثِّل إخراج ثمرات الأرض بإخراج المَوتى منها يوم البعث تذكيراً بذلك للمؤمنين ، وإبطالاً لإحالة البعث عند المشركين ، مُثل هنا باختلاف حال إخراج النّبات من الأرض اختلافُ حال النّاس الأحياءِ في الانتفاع برحمة هُدى الله ، فموقع قوله { والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه } كموقع قوله { كذلك نخرج الموتى } الأعراف 57 ولذلك ذُيل هذا بقوله { كذلك نصرف الأيات لقوم يشكرون } كما ذيل ما قبله بقوله { كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون } الأعراف 57 . والمعنى كذلك نخرج الموتى وكذلك ينتفع برحمة الهَدْي من خُلقت فطرته طيّبة قابلة للهُدى كالبلد الطّيّب ينتفع بالمطر ، ويحرم من الانتفاع بالهدى من خلقت فطرته خبيثة كالأرض الخبيثة لا تنتفع بالمطر فلا تنبت نباتاً نافعاً ، فالمقصود من هذه الآية التّمثيل ، وليسَ المقصود مجرّد تفصيل أحوال الأرض بعد نزول المطر ، لأنّ الغرض المسوق له الكلام يجمع أمرين العبرةَ بصنع الله ، والموعظَة بما يماثل أحواله . فالمعنى كما أنّ البلد الطّيّب يَخرج نباته سريعاً بَهِجاً عند نزول المطر ، والبلد الخبيثَ لا يكاد ينبت فإن أنبت أخرج نبْتاً خبيثاً لا خير فيه . والطيب وصف على وزن فَيْعِل وهي صيغة تدلّ على قوّة الوصف في الموصوف مثل قيّم ، وهو المتّصف بالطِّيببِ ، وقد تقدّم تفسير الطيب عند قوله تعالى { قل أحلّ لكم الطّيّباتُ } في سورة المائدة 4 ، وعند قوله { يا أيّها النّاس كلوا ممّا في الأرض حلالاً طيِّباً } في سورة البقرة 168 . والبلد الطّيب الأرضُ الموصوفة بالطِّيبِ ، وطيبها زكاء تربتها وملاءمتها لإخراج النّبات الصّالح وللزّرع والغرس النّافع وهي الأرض النّقيّه . والذي خبث ضدّ الطَّيب . وقوله { بإذن ربه } في موضع الحال من { نباته } والإذن الأمر ، والمراد به أمر العناية به كقوله { لِمَا خلقتُ بيَدَيّ } ص 75 ليدلّ على تشريف ذلك النّبات ، فهو في معنى الوصف بالزّكاء ، والمعنى البلد الطَّيب يخرج نباته طيّباً زكياً مثلَه ، وقد أشار إلى طيب نباته بأنّ خروجه بإذن ربّه ، فأريد بهذا الإذن إذنٌ خاص هو إذن عناية وتكريم ، وليس المراد إذن التّقدير والتّكوين فإنّ ذلك إذن معروف لا يتعلّق الغرض ببَيانه في مثل هذا المقام . { والذي خبث } حملهُ جميع المفسّرين على أنّه وصف للبلد ، أي البلد الذي خبث وهو مقابل البلد الطّيب ، وفسّروه بالأرض التي لا تنبت إلاّ نباتاً لا ينفع ، ولا يسرع إنباتها ، مثل السّباخ ، وحملوا ضمير يَخْرج على أنّه عائد للنّبات ، وجعلوا تقدير الكلام والذي خبث لا يخرج نباتُه إلاّ نَكِداً ، فحُذف المضاف في التّقدير ، وهو نبات ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، وهو ضمير البلد الذي خبث ، المستترُ في فعل يخرج . والذي يظهر لي أن يكون { الذي } صادقاً على نبات الأرض ، والمعنى والنّبت الذي خبث لا يخرج إلاّ نَكِداً ، ويكون في الكلام احتباك إذ لم يذكر وصف الطّيب بعد نبات البلد الطّيب ، ولم تذكر الأرض الخبيثة قبل ذكر النّبات الخبيث ، لدلالة كِلا الضدّين على الآخر . والتّقدير والبلد الطّيب يخرج نباته طيّباً بإذْن ربّه ، والنّبات الذي خبث يخرج نكداً من البلد الخبيث ، وهذا صنع دقيق لا يهمل في الكلام البليغ . وقرأ الجميع { لا يَخْرُج } ــــ بفتح التّحتيّة وضمّ الراء ــــ إلاّ ابنَ وردان عن أبي جعفر قرأ بضمّ التّحتيّة وكسر الرّاء ــــ على خلاف المشهور عنه ، وقيل إنّ نسبة هذا لابن وردان توهم . والنّكد وصف من النكَد ــــ بفتح الكاف وهو مصدر نَكِدَ الشّيءُ إذا كان غير صالح يَجُرّ على مستعمله شراً . وقرأ أبو جعفر { إلا نكداً } ، بفتح الكاف . وفي تفصيل معنى الآية جاء الحديث الصّحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال " مثَلُ ما بَعثني الله به من الهُدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكان منها نَقِيَّةٌ قبِلَتْ الماءَ فأنبتت الكلأ والعُشْب الكثيرَ ، وكانت منها أجَادِبُ أمسكت الماء فنفع بها الله النّاسَ فشربوا وسَقَوا وزرعوا ، وأصاب طائفة أخرى إنّما هي قِيعَانٌ لا تُمْسك ماء ولا تنبتُ كَلأ فذلك مثَل مَن فَقُه في دين الله ونفعه ما بعثني اللَّهُ به فَعَلِمَ وَعَلَّمَ ، ومَثَل من لم يَرْفَعْ لِذلك رأساً ولم يَقْبَل هُدَى اللَّهِ الذي أُرْسِلْتُ به " والإشارة بقوله { كذلك نصرف الأيات } إلى تفنّن الاستدلال بالدّلائل الدّالة على عظيم القدرة المقتضية الوحدانيّة ، والدّالة أيضاً على وقوع البعث بعد الموت ، والدّالة على اختلاف قابليّة النّاس للهدى والانتفاع به بالاستدلال الواضححِ البيّن المقِرّب في جميع ذلك ، فذلك تصريف أي تنويع وتفنين للآيات أي الدّلائل . والمراد بالقوم الذين يشكرون المؤمنون تنبيهاً على أنّهم مورد التّمثيل بالبلد الطّيب ، وأنّ غيرهم مورد التّمثيل بالبلد الخبيث ، وهذا كقوله تعالى { وتلك الأمثال نضربها للنّاس وما يعقلها إلاّ العالِمُون } العنكبوت 43 .