Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 96-99)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عُطفت جملة { ولو أن أهل القرى } على جملة { وما أرسلنا في قرية من نبيء إلاّ أخذنا أهلها بالبأساء والضراء } الأعراف 94 أي ما أرسلنا في قرية نبيئاً فكذبه أهلها إلاّ نبهناهم واستدرجناهم ثم عاقبناهم ، ولو أن أهل تلك القرى المُهْلَكَةِ آمنوا بما جاءهم به رسولهم واتقوا ربهم لما أصبناهم بالبأساء ولأحييناهم حياة البركة ، أي ما ظلمهم الله ولكنهم ظلموا أنفسهم . وشرط لو الامتناعية يحصل في الزمن الماضي ، ولما جاءت جملة شرطها مقترنة بحرف أنّ المفيد للتأكيد والمصدرية ، وكان خبر أنّ فعلاً ماضياً توفر معنى المضي في جملة الشرط . والمعنى لو حصل إيمانهم فيما مضى لفتحنا عليهم بركات . والتقْوى هي تقوى الله بالوقوف عند حدوده وذلك بعد الإيمان . والتعريف في { القرى } تعريف العهد ، فإضافة { أهل } إليه تفيد عمومه بقدر ما أضيف هو إليه ، وهذا تصريح بما أفهمه الإيجاز في قوله { وما أرسلنا في قرية من نبي إلاّ أخذنا أهلها بالبأساء والضراء } الأعراف 94 الآية كما تقدم ، وتعريض بإنذار الذين كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم من أهل مكة ، وتعريض ببشارة أهل القُرى الذين يؤمنون كأهل المدينة ، وقد مضى في صدر تفسير هذه السورة ما يقرّب أنها من آخر ما نزل بمكة ، وقيل ، إن آيات منها نزلت بالمدينة كما تقدم وبذلك يظهر موقع التعريض بالنذارة والبشارة للفريقين من أهل القرى ، وقد أخذ الله أهل مكة بعد خروج المؤمنين منها فأصابهم بسبع سنين من القحط ، وبارك لأهل المدينة وأغناهم وصرف عنهم الحمى إلى الجُحفة ، والجُحفة يومئذٍ بلاد شرك . والفتح إزالة حَجْز شيء حاجز عن الدخول إلى مكان ، يقال فتح الباب وفتح البيت ، وتعديته إلى البيت على طريقة التوسع ، وأصله فتح للبيت ، وكذلك قوله هنا { لفتحنا عليهم بركات } وقولُه { ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها } فاطر 2 ، ويقال فتح كوة ، أي جعلها فتحة ، والفتح هنا استعارة للتمكين ، كما تقدم في قوله تعالى { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء } في سورة الأنعام 44 . وتعدية فعل الفتح إلى البركات هنا استعارة مكنية بتشبيه البركات بالبيوت في الانتفاع بما تحتويه ، فهنا استعارتان مكنية وتبعية ، وقرأ ابن عامر لفتّحنا ــــ بتشديد التاءِ ــــ وهو يفيد المبالغة . والبركات جمع بركة ، والمقصود من الجمع تعددها ، باعتبار تعدد أصناف الأشياء المباركة . وتقدم تفسير البركة عند قوله تعالى { وهذا كتاب أنزلناه مبارك } في سورة الأنعام 92 . وتقدم أيضاً في قوله تعالى { إن أول بيت وضع للناس للّذي ببكّة مباركاً } في سورة آل عمران 96 . وتقدم أيضاً في قوله تعالى { تَبارك الله رب العالمين } في هذه السورة 54 ، وجُماع معناها هو الخير الصالح الذي لا تبعة عليه في الآخرة فهو أحسن أحوال النعمة ، ولذلك عبر في جانب المغضوب عليهم المستدرَجين بلفظ { الحسنة } بصيغة الإفراد في قوله { مكان السيئة الحسنة } وفي ج الأعراف 95 انب المؤمنين بالبركات مجموعة . وقوله { من السماء والأرض } مراد به حقيقته ، لأن ما يناله الناس من الخيرات الدنيوية لا يعدو أن يكون ناشئاً من الأرض ، وذلك معظم المنافع ، أو من السماء مثل ماء المطر وشعاع الشمس وضوء القمر والنجوم والهواء والرياح الصالحة . وقوله { ولكن كذبوا } استثناء لنقيض شرط لو فإن التكذيب هو عدم الإيمان فهو قياس استثنائي . وجملة { فأخذناهم } متسببة على جملة { ولكن كذبوا } وهو مثل نتيجة القياس ، لأنه مساوي نقيضِ التالي ، لأن أخذهم بما كسبوا فيه عدم فتح البركات عليهم . وتقدم معنى الأخذ آنفاً في قوله تعالى { فأخذناهم بغتة } الأعراف 95 ، والمراد به أخذ الاستئصال . والباء للسببية أي بسبب ما كسبوه من الكفر والعصيان . والفاء في قوله { أفأمن أهل القرى } عاطفة أفادت الترتب الذكري ، فإنه لما ذكر من أحوال جميعهم ما هو مثار التعجيب من حالهم أعقبه بما يدل عليه معطوفاً بفاء الترتب . ومحل التعجيب هو تواطؤهم على هذا الغرور ، أي يترتب على حكاية تكذيبهم وأخذِهم استفهامُ التعجيب من غرورهم وأمنهم غضب القادر العليم . وقد تقدم الكلام على مثل هذا التركيب عند قوله تعالى { أفكلما جاءكم رسول } في سورة البقرة 87 . وجيء بقوله { يأتيهم } بصيغة المضارع لأن المراد حكاية أمنهم الذي مضى من إتيان بأس الله في مستقبل ذلك الوقت . وقوله { أوْ أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسناً ضحى وهم يلعبون } قرأه نافع ، وابن كثير ، وابن عامر ، وأبو جعفر ــــ بسكون الواو ــــ على أنه عطف بحرف أو الذي هو لأحد الشيئين عطفاً على التعجيب ، أي هو تعجيب من أحد الحالين . وقرأه الباقون ــــ بفتح الواو ــــ على أنه عطف بالواو مقدمة عليه همزةُ الاستفهام ، فهو عطف استفهام ثان بالواو المفيدة للجمع ، فيكون كلا الاستفهامين مدخولاً لفاء التعقيب ، على قول جمهور النحاة ، وأما على رأي الزمخشري فيتعين أن تكون الواو للتقسيم ، أي تقسيم الاستفهام إلى استفهامين ، وتقدم ذكر الرأيين عند قوله تعالى { أفكلما جاءكم رسول } في سورة البقرة 87 . و { بياتاً } تقدم معناه ووجه نصبه عند قوله تعالى { وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسناً بياتاً } في أول هذه السورة 4 . والضحَى بالضم مع القصر هو في الأصل اسم لضوء الشمس إذا أشرق وارتفع ، وفسره الفقهاء بأن ترتفع الشمس قيد رمح ، ويرادفه الضحوة والضّحْوُ . والضحى يذكر ويؤنث ، وشاع التوقيت به عند العرب ومن قبلهم ، قال تعالى حكاية عن موسى { قال مَوْعدكُمْ يوم الزينة وأن يُحشر الناس ضُحى } طه 59 . وتقييد التعجيب من أمْنهم مجيءَ البأس ، بوقتي البيات والضحى ، من بين سائر الأوقات ، وبحالي النوم واللعب ، من بين سائر الأحوال ، لأن الوقتين أجدر بأن يحذر حلول العذاب فيهما ، لأنهما وقتان للدعة ، فالبيات للنوم بعد الفراغ من الشغل . والضحى للعب قبل استقبال الشغل ، فكان شأن أولي النهى المعرضين عن دعوة رسل الله أن لا يأمنوا عذابه ، بخاصة في هذين الوقتين والحالين . وفي هذا التعجيب تعريض بالمشركين المكذبين للنبيء صلى الله عليه وسلم أن يحل بهم ما حلَّ بالأمم الماضية ، فكان ذكر وقت البيات ، ووقت اللعب ، أشد مناسبة بالمعنى التعريضي ، . تهديداً لهم بأن يصيبهم العذاب بأفظع أحواله ، إذ يكون حلوله بهم في ساعة دعتهم وساعة لهوهم نكاية بهم . وقوله { أفأمنوا مكر الله } تكرير لقوله { أفأمنَ أهل القرى } قصد منه تقرير التعجيب من غفلتهم ، وتقرير معنى التعريض بالسامعين من المشركين ، مع زيادة التذكير بأن ما حل بأولئك من عذاب الله يماثل هيئة مكر الماكر بالممكور فلا يحسبوا الإمهال إعراضاً عنهم ، وليحذروا أن يكون ذلك كفعل الماكر بعدوّه . والمكر حقيقته فعل يقصد به ضر أحد في هيئة تخفَى أو هيئة يحسبها منفعة . وهو هنا استعارة للإمهال والإنعام في حال الإمهال ، فهي تمثيلية ، شبه حال الإنعام مع الإمهال وتعقيبه بالانتقام بحال المكر ، وتقدم في سورة آل عمران 54 عند قوله { ومكَروا ومكر الله والله خير الماكرين } وقوله { فلا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون } مُترتب ومتفرع عن التعجيب في قوله { أفأمنوا مكر الله } لأن المقصود منه تفريع أن أهل القرى المذكورين خاسرون لثبوت أنهم أمنوا مكر الله ، والتقدير أفأمنوا مكر الله فهم قوم خاسرون . وإنما صيغ هذا التفريع بصيغة تعُم المخبَر عنهم وغيرهم ليجري مجرى المثل ويصير تذييلاً للكلام ، ويدخل فيه المعرّض بهم في هذه الموعظة وهم المشركون الحاضرون ، والتقدير فهم قوم خاسرون ، إذ لا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون . والخسران ــــ هنا ــــ هو إضاعة ما فيه نفعهم بسوء اعتقادهم ، شُبه ذلك بالخسران وهو إضاعة التاجر رأس ماله بسوء تصرفه ، لأنهم باطمئنانهم إلى السلامة الحاضرة ، وإعراضهم عن التفكر فيما يعقبها من الأخذ الشبيه بفعل الماكر قد خسروا الانتفاع بعقولهم وخسروا أنفسهم . وتقدم قوله تعالى { الذين خسروا أنفسهم } في سورة الأنعام 12 ، وقوله { فأولئك الذين خسروا أنفسهم } في أول السورة 9 . وتقدم أن إطلاق المَكْر على أخذ الله مستحقي العقاب بعد إمهالهم أن ذلك تمثيل عند قوله تعالى { ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين } في سورة آل عمران 54 . واعلم أن المراد بأمن مكر الله في هذه الآية هو الأمن الذي من نوع أمن أهل القرى المكذبين ، الذي ابتُدىء الحديث عنه من قوله { وما أرسلنا في قرية من بني إلاّ أخذنا أهلها بالبأساء والضّراء لعلهم يضرّعون } الأعراف 94 ثم قوله { أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً } الآياتِ ، وهو الأمن الناشىء عن تكذيب خبر الرسول ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ ، وعن الغرور بأن دين الشرك هو الحق فهو أمن ناشىء عن كفر ، والمأمون منه هو وعيد الرسل إياهم وما أطلق عليه أنه مكر الله . ومن الأمن من عذاب الله أصنْاف أخرى تُغاير هذا الأمن ، وتتقارب منه ، وتتباعد ، بحسب اختلاف ضمائر الناس ومبالغ نياتهم ، فأما ما كان منها مستنداً لدليل شرعي فلا تَبعةَ على صاحبه ، وذلك مثل أمن المسلمين من أمثال عذاب الأمم الماضية المستند إلى قوله تعالى { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } الأنفال 33 ، وإلى قول النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالى { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم } ــــ فقال النبي ــــ عليه الصلاة والسلام أعوذ بسبحات وجهك الكريم ــــ { أَوْ مِن تحت أرجلكم } ـــ فقال " أعوذ بسبحات وجهك الكريم { أو يلبسكم شيعا } الأنعام 65 الآية ــــ فقال هذه أهون " كما تقدم في تفسيرها في سورة الأنعام ومثل ، أمن أهل بدر من عذاب الآخرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما يدريك لعل الله اطّلع على أهل بدر فقال « اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " في قصة حاطب بن أبي بلتعة . ومثل إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن سلام أنه لا يزال آخذاً بالعروة الوثقى ، ومثل الأنبياء فإنهم آمنون من مكر الله بإخبار الله إياهم بذلك ، وأولياءُ الله كذلك ، قال تعالى { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون } يونس 62 ، 63 فمن العجيب ما ذكره الخفاجي أن الحنفية قالوا الأمنُ من مكر الله كفر لقوله تعالى { فلا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون } . والأمنُ مجمل ومكر الله تمثيل والخسران مشكك الحقيقة . وقال الخفاجي الأمنُ من مكر الله كبيرة عند الشافعية ، وهو الاسترسال على المعاصي اتكالاً على عفو الله وذلك مما نسبه الزركشي في « شرح جمع الجوامع » إلى ولي الدين ، وروى البزار وابن أبي حاتم عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ما الكبائر فقال الشرك بالله واليأس من روح الله والأمنُ من مكر الله " ، ولم أقف على مبلغ هذا الحديث من الصحة ، وقد ذكرنا غير مرة أن ما يأتي في القرآن من الوعيد لأهل الكفر على أعمال لهم مرادٌ منه أيضاً تحذير المسلمين مما يشبه تلك الأعمال بقدر اقتراب شبهه .