Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 70, Ayat: 8-18)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يجوز أن يتعلق { يوم تكون السماء } بفعل { تعرج } المعارج 4 ، وأن يتعلق بـ { يَوَدُّ المجرم } قدم عليه للاهتمام بذكر اليوم فيكون قوله { يوم تكون السماء كالمهل } ابتداء كلام ، والجملة المجعولة مبدأ كلام تجعل بدل اشتمال من جملة { ولا يسأل حميم حميماً } لأن عدم المساءلة مسبب عن شدة الهَول ، ومما يشتمل عليه ذلك أن يود المَوَل لو يفتدي من ذلك العذاب . و { المُهل } دُردِيّ الزيتِ . والمعنى تشبيه السماء في انحلال أجزائها بالزيت ، وهذا كقوله في سورة الرحمان 37 { فكانت وردة كالدِهان } والعِهن الصوف المصبوغ ، قيل المصبوغ مطلقاً ، وقيل المصبوغ ألواناً مختلفة وهو الذي درج عليه الراغب والزمخشري ، قال زهير @ كان فُتات العِهن في كل منزِلٍ نَزلْنَ به حَبُّ الفَنا لم يُحَطَّم @@ والفنا بالقصر حب في البادية ، يقال له عنب الثعلب ، وله ألوان بعضه أخضر وبعضه أصفر وبعضه أحمر . والعهنة شجر بالبادية لها ورد أحمر . ووجه الشبه بالعهن تفرق الأجزاء كما جاءت في آية القارعة 5 { وتكون الجبال كالعهن المنفوشِ } فإيثار العهن بالذكر لإِكمال المشابهة لأن الجبال ذات ألوان قال تعالى { ومن الجبال جُدد بيضٌ وحُمْرٌ مختلف ألوانها } فاطر 27 . وإنما تكون السماء والجبال بهاته الحالة حين ينحلّ تماسك أجزائهما عند انقراض هذا العالم والمصيرِ إلى عالم الآخرة . ومعنى { ولا يَسأل حميم حميماً } لشدة ما يعتري الناس من الهول فمن شدة ذلك أن يرى الحميم حميمه في كرب وعناء فلا يتفرغ لسؤاله عن حاله لأنه في شاغل عنه ، فحذف متعلق { يسأل } لظهوره من المقام ومن قوله { يبصِّرونهم } أي يبصر الأخلاء أحوال أخلائهم من الكرب فلا يسأل حميم حميماً ، قال كعب بن زهير @ وقال كل خليل كنتُ ءآمُله لا أُلْهِيَنَّك إِني عنك مشغول @@ والحميم الخليل الصديق . وقرأ الجمهور بفتح ياء { يَسأل } على البناء للفاعل . وقرأه أبو جعفر والبزي عن ابن كثير بضم الياء على البناء للمجهول . فالمعنى لا يُسأل حميم عن حميم بحذف حرف الجر . وموقع { يبصّرونهم } الاستئناف البياني لدفع احتمال أن يقع في نفس السامع أن الأحِمَّاء لا يرى بعضهم بعضاً يومئذٍ لأن كل أحد في شاغل ، فأجيب بأنهم يكشف لهم عنهم ليروا ما هم فيه من العذاب فيزدادوا عذاباً فوق العذاب . ويجوز أن تكون جملة { يبصرونهم } في موضع الحال ، أي لا يسأل حميم حميماً في حال أن كل حميم يبصر حميمه يقال له انظر مَاذا يقاسي فلان . و { يبصرونهم } مضارع بَصَّره بالأمر إذا جعله مبصراً له ، أي ناظراً فأصله يبصَّرون بهم فوقع فيه حذف الجار وتعدية الفعل . والضميران راجعان إلى { حميم } المرفوع وإلى { حميماً } المنصوب ، أي يبصر كل حميم حميمه فجمع الضميران نظراً إلى عموم { حمِيمٌ } و { حميماً } في سياق النفي . و { يودّ } يحب ، أي يتمنى ، وذلك إما بخاطر يخطر في نفسه عند رؤية العذاب . وإما بكلام يصدر منه نظير قوله { ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً } النبأ 40 ، وهذا هو الظاهر ، أي يصرخ الكافر يومئذٍ فيقول أفتدي من العذاب ببني وصاحبتي وفصيلتي فيكون ذلك فضيحة له يومئذٍ بين أهله . و { المجرم } الذي أتى الجُرم ، وهو الذنب العظيم ، أي الكفر لأن الناس في صدر البعثة صنفان كافر ومؤمن مطيع . و { يومئذٍ } هو { يوم تكون السماء كالمهل } فإن كان قوله { يوم تكون السماء } متعلقاً بـ { يودّ } فقوله { يومئذٍ } تأكيد لـ { يوم تكون السماء كالمهل } ، وإن كان متعلقاً بقوله { تعرج الملائكة } المعارج 4 فقوله { يومئذٍ } إفادة لكون ذلك اليوم هو يوم يود المجرم لو يفتدي من العذاب بمن ذكر بعده . و { لو } مصدرية فما بعدها في حكم المفعول لـ { يود } ، أي يود الافتداء من العذاب ببنيه إلى آخره . وقرأ الجمهور { يومئذٍ } بكسر ميم يوم مجروراً بإضافة عذاب الله . وقرأه نافع والكسائي بفتح الميم على بنائه لإِضافة يوم إلى إذ ، وهي اسم غير متمكن والوجهان جائزان . والافتداء إعطاء الفِداء ، وهو ما يعطى عوضاً لإِنقاذٍ من تبعةٍ ، ومنه قوله تعالى { وإن يأتوكم أسارى تفادوهم } في البقرة 85 وقوله ولو افتدى به في آل عمران 91 ، والمعنى لو يفتدي نفسه ، والباء بعد مادة الفداء تدخل على العوض المبذول فمعنى الباء التعويض . ومعنى مِن الابتداء المجازي لتضمين فعل يفتدي معنى يَتخلص و { صاحبِته } زوجِهِ . والفصيلة الأقرباء الأدْنَوْن من القبيلة ، وهم الأقرباء المفصول مِنهم ، أي المستخرج منهم ، فشملت الآباء والأمهاتِ قال ابن العربي قال أشهب سألتُ مالكاً عن قول الله تعالى { وفصيلته التي تؤويه } فقال هي أمه اهـ ، أي ويفهم منها الأب بطريق لحن الخطاب فيكون قد استوفى ذكر أقرب القرابة بالصراحة والمفهوم ، وأمّا على التفسير المشهور فالفصيلة دلت على الآباء باللفظ وتستفاد الأمهات بدلالة لحن الخطاب . وقد رتبت الأقرباء على حسب شدة الميْل الطبيعي إليهم في العرف الغالب لأن الميل الطبيعي ينشأ عن الملازمة وكثرة المخالطة . ولم يذكر الأبوان لدخولهما في الفصيلة قصداً للإِيجاز . والايواء الضم والانحياز . قال تعالى { ءاوَى إليه أخاه } يوسف 69 وقال { سآوي إلى جبل } هود 43 . و { التي تؤويه } إن كانت القبيلةَ ، فالإِيواء مجاز في الحماية والنصر ، أي ومع ذلك يفتدي بها لعلمه بأنها لا تغني عنه شيئاً يومئذٍ . وإن كانت الأمَّ فالإِيواء على حقيقته باعتبار الماضي ، وصيغة المضارع لاستحضار الحالة كقوله { الله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً } الروم 48 أي يودّ لو يفتدي بأمه ، مع شدة تعلق نفسه بها إذ كانت تؤويه ، فإيثار لفظ فصيلته وفعل تؤويه هنا من إيجاز القرآن وإعجازه ليشمل هذه المعاني . { ومن في الأرض جميعاً } عطف على { بنِيه } ، أي ويفتدي بمن في الأرض ، أي ومن له في الأرض مما يعزّ عليه من أخلاء وقرابة ونفائس الأموال مما شأن الناس الشح ببذله والرغبة في استبقائه على نحو قوله تعالى { فلن يقبل من أحدهم مِلْءُ الأرض ذهباً ولو افتدى به } آل عمران 91 . و { مَن } الموصولة لتغليب العاقل على غيره لأن منهم الأخلاء . و { ثم } في قوله { ثم ينجيه } للتراخي الرتبي ، أي يودّ بذل ذلك وأن ينجيه الفداء من العذاب ، فالإِنجاء من العذاب هو الأهم عند المجرم في ودادته والضمير البارز في قوله { ينجيه } عائد إلى الافتداء المفهوم من { يفتدي } على نحو قوله تعالى { اعدلوا هو أقرب للتقوى } المائدة 8 . والمعطوف بـ { ثم } هو المسبب عن الودادة فلذلك كان الظاهر أن يعطف بالفاء وهو الأكثر في مثله كقوله تعالى { ودُّوا لو تكفرون كما كفروا فتكُونون سواء } النساء 89 وقوله { ودُّوا لو تدهن فيدهنون } القلم 9 ، فعدل عن عطفه بالفاء هنا إلى عطفه بـ { ثم } للدلالة على شدة اهتمام المجرم بالنجاة بأية وسيلة . ومتعلِّق { ينجيه } محذوف يدل عليه قوله { من عذاب يومئذٍ } . و { كَلاَّ } حرف ردع وإبطال لكلام سابق ، ولا يخلو من أن يذكر بعده كلام ، وهو هنا لإِبطال ما يخامر نفوس المجرم من الودادة ، نزل منزلة الكلام لأن الله مطلع عليه أو لإِبطال ما يتفوه به من تمنّي ذلك . قال تعالى { ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً } النبأ 40 ، ألا ترى أنه عبر عن قوله ذلك بالودادة ، في قوله تعالى { يومئذٍ يودّ الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوّى بهم الأرض } النساء 42 أي يصيرون من ترابها . فالتقدير يقال له كلا ، أي لا افتداء ولا إنجاء . وجملة { إنها لظَى } استئناف بياني ناشىء عما أفاده حرف { كلا } من الإِبطال . وضمير { إنها } عائد إلى ما يشاهده المجرم قبالته من مرأى جهنم فأخبر بأن ذلك لظى . ولما كان { لظى } مقترناً بألف التأنيث أنّث الضمير باعتبار تأنيث الخبر واتبع اسمها بأوصاف . والمقصود التعريض بأنها أعدت له ، أي أنها تحرقك وتنزع شَواك ، وقد صرح بما وقع التعريض به في قوله { تدعو من أدبر وتولى وجَمع فأوعى ، } أي تدعوك يا من أدبر عن دعوة التوحيد وتولى عنها ولم يعبأ إلاّ بجمع المال . فحرف إنَّ للتوكيد للمعنى التعريضي من الخبر ، لا إلى الإِخبار بأن ما يشاهده لظى إذ ليس ذلك بمحل التردد . و { لظى } خبر إن . ويجوز أن يكون ضمير { إنها } ضمير القصة وهو ضمير الشأن ، أي إن قصتك وشأنك لَظى ، فتكون { لظى } مبتدأ . وقرأ الجمهور { نزّاعةٌ } بالرفع فهو خبر ثان عن إنَّ إن جعل الضمير ضميراً عائداً إلى النار المشاهدة ، أو هو خبر عن { لظى } إن جعل الضمير ضمير القصة وجُعل { لظى } مبتدأ . وقرأه حفص بالنصب على الحال فيتعين على قراءة حفص أن الضمير ليس ضمير قصة . والتعريض هو هو ، وحرف إنّ إما للتوكيد متوجهاً إلى المعنى التعريضي كما تقدم ، وإما لمجرد الاهتمام بالجملة التي بعده لأن الجمل المفتتحة بضمير الشأن من الأَخبار المهتم بها . و { لَظى } علَم منقول من اسم اللهب ، جعل علَماً لـ « جهنم » ، وألفه ألف تأنيث ، وأصله لظى بوزن فتًى منوناً اسم جنس للهب النار . فنقل اسم الجنس إلى جعله عَلَماً على واحد من جنسه ، فقرن بألف تأنيث تنبيهاً بذلك التغيير على نقله إلى العلمية . والعرب قد يدخلون تغييراً على الاسم غير العلم إذا نقلوه إلى العلمية كما سموا شُمْس بضم الشين منقولاً من شَمْس بفتح الشين . كما قال ابن جني في شرح قول تأبط شراً @ إني لمهد من ثنائي فقاصدٌ به لابنِ عمِّ الصِدِق شُمْسِ بنِ مالك @@ وليس من العلَم بالغلبة إذ ليس معرفاً ولا مضافاً ، ولاجتماع العلمية والتأنيث فيه كان ممنوعاً من الصرف فلا تقول لظًى بالتنوين إلاّ إذا أردت جنس اللهب ، ولا تقول اللَّظَى إلاّ إذا أردت لهباً معيناً ، فأما إذا أردت اسم جهنم فتقول لظى بألف التأنيث دون تنوين ودون تعريف . والنّزاعة مبالغة في النزع وهو الفصل والقطع . والشوى اسم جمع شواة بفتح الشين وتخفيف الواو ، وهي العضو غيرُ الرأس مثل اليد والرجل فالجمع باعتبار ما لكل أحد من شوى ، وقيل الشواة جلْدة الرأس فالجمع باعتبار كثرة الناس . وجملة { تدعو } إما خبر ثان حسب قراءة { نزّاعة } بالرفع وإمّا حال على القراءتين . والدعاء في قوله { تدعو } يجوز أن يكون غير حقيقة بأن يعتبر استعارة مكنية ، شبهت لظّى في انهيال الناس إليها بضائف لمأدُبة ، ورُمز إلى ذلك بـ { تدعو } وذلك على طريقة التهكم . ويكون { من أدبر وتولى وجمع فأوعى } قرينةً ، أو تجريداً ، أي من أدبر وتولى عن الإِيمان بالله . وفيه الطباق لأن الإِدبار والتولي يضادَّانِ الدعوة في الجملة إذ الشأن أن المدعو يقبل ولا يدبر ، ويكون تدعوا مشتقاً من الدُعوة المضمومة الدال ، أو أن يشبه إحضار الكفار عندها بدعوتها إياهم للحضور على طريقة التبعية ، لأن التشبيه بدَعوة المنادي ، كقول ذي الرمة يصف الثور الوحشي @ أمسى بوَهْبَيْنِ مُخْتَاراً لِمَرْتَعه من ذي الفوارس تدعُو أنفَه الرِّبَبُ @@ الرِّبَب بكسر الراء وبموحدتين جمع رِبَّة بكسر الراء وتشديد الموحدة نبات ينبت في الصيف أخضرُ . ويجوز أن يكون { تدعوا } مستعملاً حقيقة ، و « الذين يَدْعون » هم الملائكة الموكلون بجهنم ، وإسنادُ الدعاء إلى جهنم إسناداً مجازياً لأنها مكان الداعين أو لأنها سبب الدعاء ، أو جهنم تدعو حقيقة بأن يخلُق الله فيها أصواتاً تنادي الذين تولوا أن يَرِدوا عليها فتلتهمهم . و { من أدبر وتولى وجمع فأوعى } جنس الموصوفين بأنهم أدبروا وتولوا وجمعوا وهم المجرمون الذين يودون أن يفتَدوا من عذاب يومئذٍ . وهذه الصفات خصائص المشركين ، وهي من آثار دين الشرك التي هي أقوى باعث لهم على إعراضهم عن دعوة الإِسلام . وهي ثلاثة الإِدبار والإِعراض ، وجمع المال ، أي الخشية على أموالهم . والإِدبار ترك شيء في جهة الوراء لأن الدّبر هو الظهر ، فأدبر جعل شيئاً وراءه بأن لا يعرج عليه أصلاً أو بأن يقبل عليه ثم يفارقَه . والتولّي الإِدبار عن شيء والبعد عنه ، وأصله مشتق من الوَلاية وهي الملازمة قال تعالى { فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام } البقرة 144 ، ثم قالوا ولَّى عنه ، أرادوا اتخذ غيره ولياً ، أي ترك وَلايته إلى ولاية غيره مثل ما قالوا رَغب فيه ورغب عنه ، فصار « ولي » بمعنى أدبر وأعرض ، قال تعالى { فأعْرِض عمن تولَّى عن ذِكرنا } النجم 29 أي عامِلْه بالإِعراض عنه . ففي التولي معنى إيثار غير المتولَّى عنه ، ولذلك يكون بين التولّي والإِدبار فرق ، وباعتبار ذلك الفرق عُطف و { تولَّى } على { أدبر } أي تدعو من ترك الحق وتولى عنه إلى الباطل . وهذه دقيقة من إعجاز القرآن بأن يكون الإِدبار مراداً به إدبارَ غير تَول ، أي إدباراً من أول وهلة ، ويكون التولي مراداً به الإِعراض بعد ملابسة ، ولذلك يكون الإِدبار مستعاراً لعدم قبول القرآن ونفي استماع دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حال الذين قال الله فيهم { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن } فصلت 26 ، والتولي مستعار للإِعراض عن القرآن بعد سماعه وللنفور عن دعوة الرسول كما قال تعالى { وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلاّ أساطير الأولين } الأنفال 31 وكلا الحالين حال كفر ومحقة للعقاب وهما مجتمعتان في جميع المشركين . والمقصود من ذكرهما معاً تفظيع أصحابهما ، وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون متعلِّق { أدبر وتولى } متّحداً يتنازعه كلا الفعلين ، ويقدر بنحو عن الحق ، وفي « الكشاف » أدبر عن الحق وتولى عنه ، إذ العبرة باختلاف معنيي الفعلين وإن كان متعلقهما متحداً . ويجوز أن يقدر لكل فعل متعلِّقٌ هو أشد مناسبة لمعناه ، فقدر البيضاوي أدبر عن الحق وتولى عن الطاعة ، أي لم يقبل الحق وهو الإِيمان من أصله ، وأعرض عن طاعة الرسول بعد سماع دعوته . وعن قتادة عكسه أدبر عن طاعة الله وتولى عن كتاب الله وتبعه الفخر والنيسابوري . والجمع والإِيعاء في قوله { وجمع فأوعى } مرتب ثانيهما على أولهما ، فيدل ترتب الثاني على الأول أن مفعول { جمع } المحذوف هو شيء مما يوعى ، أي يُجعل في وعاء . والوعاء الظرف ، أي جمع المال فكنزه ولم ينفع به المحَاويج ، ومنه جاء فعل { أوعى } إذا شحّ . وفي الحديث " ولا تُوعي فيُوعَى عليك " وفي قوله { جمَع } إشارة إلى الحرص ، وفي قوله { فأوعى } إشارة إلى طول الأمل . وعن قتادة { جمع فأوعى } كان جَمُوعاً للخبيث ، وهذا تفسير حسن ، أي بأن يُقدَّر لـ { جمع } مفعول يدل عليه السياق ، أي وزاد على إدباره وتوليه أنه جمع الخبائث . وعليه يكون { فأوعى } مستعاراً لملازمته مَا فيه من خصال الخبائث واستمراره عليها فكأنها مختزنَة لا يفرط فيها .