Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 71, Ayat: 8-12)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ارتقى في شكواه واعتذاره بأنَّ دعوته كانت مختلفة الحالات في القول من جهر وإسرار ، فعَطْف الكلام بـ { ثم } التي تفيد في عطفها الجمل أن مضمون الجملة المعطوفة أهم من مضمون المعطوف عليها ، لأن اختلاف كيفية الدعوة ألصق بالدعوة من أوقات إلقائها لأن الحالة أشد ملابسة بصاحبها مِن ملابسة زمانه . فذَكَر أنه دعاهم جهاراً ، أي علناً . وجِهار اسم مصدر جهر ، وهو هنا وصف لمصدر { دَعَوْتُهم } ، أي دعوةً جهاراً . وارتقى فذكر أنه جمع بين الجهر والإِسرار لأن الجمع بين الحالتين أقوى في الدعوة وأغلظ من إفراد إحداهما . فقوله { أعلنت لهم } تأكيد لقوله { دعوتهم جهاراً } ذكر ليبنى عليه عطف { وأسررت لهم إسراراً } . والمعنى أنه توخى ما يظنه أوْغَل إلى قلوبهم من صفات الدعوة ، فجهر حين يكون الجهر أجدى مثلُ مجامع العامة ، وأسَرَّ للذين يظنهم متجنبين لَوْم قومهم عليهم في التصدّي لسماع دعوته وبذلك تكون ضمائر الغيبة في قوله { دعوتهم } ، وقوله { أعلنت لهم وأسررت لهم } موزعة على مختلفِ الناس . وانتصب { جهاراً } بالنيابة عن المفعول المطلق المبيّن لنوع الدعوة . وانتصب { إسراراً } على أنه مفعول مطلق مفيد للتوكيد ، أي إسراراً خفياً . ووجه توكيد الإسرار أن إسرار الدعوة كان في حال دعوته سادتهم وقادتهم لأنهم يمتعضون من إعلان دعوتهم بمسمع من أتباعهم . وفصَّل دعوته بفاء التفريع فقال { فقلت استغفروا ربكم } فهذا القول هو الذي قاله لهم ليلاً ونهاراً وجهاراً وإسراراً . ومعنى { استغفروا ربكم } ، ءامنوا إيماناً يكون استغفاراً لذنبكم فإنكم إن فعلتم غفر الله لكم . وعلّل ذلك لهم بأن الله موصوف بالغفران صفة ثابتة تعهد الله بها لعباده المستغفرين ، فأفاد التعليل بحرف إنَّ وأفاد ثبوت الصفة لله بذكر فعل { كان } وأفاد كمال غفرانه بصيغة المبالغة بقوله { غفّاراً } . وهذا وعد بخير الآخرة ورتب عليه وعداً بخير الدنيا بطريق جواب الأمر ، وهو { يُرسل السماء عليكم } الآية . وكانوا أهل فلاحة فوعدهم بنزول المطر الذي به السلامة من القحط وبالزيادة في الأموال . و { السماء } هنا المطر ، ومن أسماء المطر السماء . وفي حديث « الموطأ » و « الصحيحين » " عن زيد بن خالد الجهني أنه قال " صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحُدَيْبِيَة على إِثْر سَمَاءٍ كانت من الليْل " الحديث . وقال معاوية بن مالك بن جعفر @ إذا نزل السماءُ بأرض قوم رَعَيْنَاهُ وإن كانوا غِضابا @@ والمدرار الكثيرة الدُّر والدُّرور ، وهو السيلان ، يُقال درت السماء بالمطر ، وسماء مدرار . ومعنى ذلك أن يَتْبع بعض الأمطار بعضاً . ومِدرار ، زنة مبالغة ، وهذا الوزن لا تلحقه علامة التأنيث إلاّ نادراً كما في قول سهل بن مالك الفزاري @ أصبَحَ يَهْوَى حُرَّةً مِعْطَارَة @@ فلذلك لم تلحق التاء هنا مع أن اسم السماء مؤنث . والإِرسال مستعار للإِيصال والإِعطاء ، وتعديته بـ { عليكم } لأنه إيصال من علوّ كقوله { وأرسل عليهم طيراً أبابيل } الفيل 3 . و { أموال } جمع مال وهو يشمل كل مكسب يبذله المرء في اقتناء ما يحتاج إليه . والمراد بالجنات في قوله { ويجعل لكم جنات } النخيل والأعناب ، لأن الجنات تحتاج إلى السقي . وإعادة فعل يَجْعل بعد واو العطف في قوله { ويجعل لكم أنهاراً } للتوكيد اهتماماً بشأن المعطوف لأن الأنهار قوام الجنات وتسقي المزارع والأنعام . وفي هذا دلالة على أن الله يجازي عباده الصالحين بطيب العيش قال تعالى { مَن عمِل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنُحْيِيَنَّه حياة طيبة } النحل 97 وقال { ولو أن أهل القرى ءامنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض } الأعراف 96 وقال { وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً } الجنّ 16 .