Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 74, Ayat: 26-30)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
جملة { سأُصليه سقر } مستأنفة استئنافاً بيانياً ناشئاً عن قوله { إنه فكّر وقدّر } المدثر 18 إلى آخر الآيات فذكر وعيده بعذاب الآخرة . ويجوز أن تكون بدلاً من جملة { سأرهق صعوراً } . والإِصلاء جعل الشيء صالياً ، أي مباشراً حرَّ النار . وفعل صَلِيَ يطلق على إحساس حرارة النار ، فيكون لأجل التدَفّىء كقول الحارث بن حِلزة @ فتنورتَ نارها من بعيد بخزازَى أيَّانَ منكَ الصلاء @@ أي أنت بعيد من التدفىء بها وكما قال حُمَيد بن ثَوْر @ لا تصطلي النارَ إلاّ مِجْمَرا أرِجَا قد كَسَّرت من يَلْنَجُوجٍ له وَقَصَا @@ ويطلق على الاحتراق بالنار قال تعالى { سَيصلَى ناراً ذات لهب } في سورة أبي لهب 3 وقال { فأنذرتكم ناراً تلظَّى لا يصلاَها إلاّ الأشقى } في سورة الليل 14 ، 15 ، وقال { وسيَصلون سعيراً } في سورة النساء 10 ، والأكثر إذا ذكر لفعل هذه المادة مفعول ثان من أسماء النار أن يكون الفعل بمعنى الإِحراق كقوله تعالى { فسوف نُصليه ناراً } في سورة النساءِ 30 . ومنه قوله هنا سأُصليه سقر . وسقر علَم لطبقة من جهنم ، عن ابن عباس أنه الطبق السّادس من جهنم . قال ابن عطية سقر هو الدرك السادس من جهنم على ما روي ا هـ . واقتصر عليه ابنُ عطية . وجرى كلام جمهور المفسرين بما يقتضي أنهم يفسّرون سقر بما يرادف جهنم . وسقر ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث لأنه اسم بُقعة من جهنم أو اسم جهنم وقد جرى ضمير سقر على التأنيث في قوله تعالى { لا تُبقي } إلى قوله { عليها تسعة عشر } . وقيل سقر معرَّب نقله في « الإِتقان » عن الجواليقي ولم يذكر الكلمة المعرّبة ولا من أية لغة هو . و { ما أدراك ما سقر } جملة حالية من { سقر } ، أي سقر التي حالها لا ينبئك به مُنبىء وهذا تهويل لحالها . و { ما سقر } في محل مبتدإ وأصله سقر مَّا ، أي ما هي ، فقدّم { ما } لأنه اسم استفهام وله الصدارة . فإن { ما } الأولى استفهامية . والمعنى أيُّ شيء يدريك ، أي يعلمك . و { ما } الثانية استفهامية في محل رفع خبر عن { سقر } . وجملة { لا تبقي } بدل اشتمال من التهويل الذي أفادته جملة { وما أدراك ما سَقر } ، فإن من أهوالها أنها تهلك كل من يصلاها . والجملة خبر ثان عن سقر . وحذف مفعول { تبقي } لقصد العموم ، أي لا تبقي منهم أحداً أو لا تبقي من أجزائهم شيئاً . وجملة { ولا تذر } عطف على { لا تبقي } فهي في معنى الحال ، ومعنى { لا تذر } ، أي لا تترك من يلقَى فيها ، أي لا تتركه غير مصلي بعذابها . وهذه كناية عن إعادة حياته بعد إهلاكه كما قال تعالى { كلما نَضِجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب } النساء 56 . و { لوّاحة } خبر ثالث عن { سقر } . و { لوّاحة } فعَّالة ، من اللّوح وهو تغيير الذات من ألمٍ ونحوه ، وقال الشاعر ، وهو من شواهد « الكشاف » ولم أقف على قائله @ تقول ما لاحكَ يا مُسافِرْ يا ابنة عمي لاحني الهَواجِرْ @@ والبشر يكون جمع بشرة ، وهي جلد الإِنسان ، أي تغير ألوان الجلود فتجعلها سوداً ، ويكون اسم جمع للناس لا واحد له من لفظه . وقوله { عليها تسعة عشر } خبر رابع عن { سَقر } من قوله { وما أدراك ما سقر } . ومعنى { عليها } على حراستها ، فـ على للاستعلاء المجازي بتشبيه التصرف والولاية بالاستعلاء كما يقال فلان على الشرطة ، أو على بيت المال ، أي يلي ذلك والمعنى أن خزنة سقر تسعة عشر مَلَكاً . وقال جمع إن عدد تسعة عشر هُم نقباء الملائكة الموكلين بجهنم . وقيل تسعة عشر صِنفاً من الملائكة وقيل تسعة عشر صفّاً . وفي « تفسير الفخر » ذكر أرباب المعاني في تقدير هذا العدد وجوهاً أحدها قول أهل الحكمة إن سبب فساد النفس هو القُوى الحيوانية والطبيعية أما الحيوانية فهي الخمس الظاهرة والخمس الباطنة ، والشهوة والغضب ، فمجموعها اثنتا عشرة . وأما القوى الطبيعية فهي الجاذبة ، والماسكة ، والهاضمة ، والدافعة ، والغاذية ، والنامية ، والمولِّدة ، فهذه سبعة ، فتلك تسعَ عشرة . فلما كان منشأ الآفات هو هذه التسع عشرة كان عدد الزبانية كذلك اهـ . والذي أراه أن الملائكة التسعة عشر موزَّعون على دركات سقر أو جهنمَ لكل دَرك مَلك فلعل هذه الدركات معيَّن كل درك منها لأهل شعبة من شُعب الكفر ، ومنها الدرك الأسفل الذي ذكره الله تعالى { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } في سورة النساء 145 فإن الكفر أصناف منها إنكار وجود الله ، ومنها الوثنية ، ومنها الشرك بتعدد الإِلٰه ، ومنها عبادة الكواكب ، ومنها عبادة الشيطان والجن ، ومنها عبادة الحيوان ، ومنها إنكار رسالة الرسل ، ومنها المجوسية المانوية والمزدكية والزندقة ، وعبادة البشر مثل الملوك ، والإِباحيةُ ولو مع إثبات الإِلٰه الواحد . وفي ذكر هذا العدد تحدٍّ لأهل الكتابين يبعثهم على تصديق القرآن إذ كان ذلك مما استأثر به علماؤهم كما سيأتي قوله { ليستيقن الذين أوتوا الكتاب } المدثر 31 . وقرأ الجمهور { تسعة عَشر } بفتح العين من { عَشر } . وقرأ أبو جعفر { تسعة عشر } بسكون العين من { عشْر } تخفيفاً لتوالي الحركات فيما هو كالاسم الواحد ، ولا التفات إلى إنكار أبي حاتم هذه القراءة فإنها متواترة .