Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 74, Ayat: 49-51)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تفريع للتعجيب من إصرارهم على الإِعراض عن ما فيه تذكرة على قوله { وما هي إلاّ ذِكْرى للبشر } المدثر 31 . وجيء باسم التذكرة الظاهر دون أن يؤتى بضمير نحو أن يقال عنها معرضين ، لئلا يختص الإِنكار والتعجيب بإعراضهم عن تذكرة الإِنذار بسقَر ، بل المقصود التعميم لإِعراضهم عن كل تذكرة وأعظمها تذكرة القرآن كما هو المناسب للإِعراض قال تعالى { إنْ هو إلاّ ذِكْر للعالمين } التكوير 27 . و { ما لهم } استفهام مستعمل في التعجيب من غرابة حالهم بحيث تجدر أن يستفْهِم عنها المستفهِمُون وهو مجاز مرسل بعلاقة الملازمة ، و { لهم } خبر عن ما الاستفهامية . والتقدير ما ثبت لهم ، و { معرضين } حال من ضمير { لهم } ، أي يستفهم عنهم في هذه الحالة العجيبة . وتركيب ما لَكَ ونحوهُ ، لا يخلو من حال تلحق بضميره مفردةٍ أو جملة نحو { ما لك لاَ تأمنّا على يوسف } في سورة يوسف 11 . وقوله تعالى { فما لهم لا يؤمنون } في سورة الانشقاق 20 . وقوله { ما لكم كيف تحكمون } في سورة الصافات 154 وسورة القلم 36 . و { عن التذكرة } متعلق بـ { معرضين } . وشُبهتْ حالة إعراضهم المتخيَّلة بحالة فرار حُمُر نافرة مما ينفرها . والحُمر جمع حمار ، وهو الحمار الوحشي ، وهو شديد النفار إذا أحس بصوت القانص وهذا من تشبيه المعقول بالمحسوس . وقد كثر وصف النفرة وسرعة السير والهَرب بالوحش من حُمرٍ أو بقرِ وحش إذا أحسسنَ بما يرهبنه كما قال لبيد في تشبيه راحلته في سرعة سيرها بوحشية لحقها الصياد @ فتوجَّسَت رِزّ الأنيس فراعَها عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ والأنيسُ سَقَامها @@ وقد كثر ذلك في شعر العرب في الجاهلية والإِسلام كما في معلقة طرفة ، ومعلقة لبيد ، ومعلقة الحارث ، وفي أراجيز الحجَّاج ورؤيَة ابنهِ وفي شعر ذي الرمة . والسين والتاء في { مستنفرَة } للمبالغة في الوصف مثل استكمل واستجاب واستعجب واستسخر واستخرج واستنبط ، أي نافرة نفاراً قوياً فهي تعدو بأقصى سرعة العدو . وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر { مستنفَرة } بفتح الفاء ، أي استنفرها مستنفر ، أي أنفرها ، فهو من استنفره المتعدي بمعنى أنفره . وبناء الفعل للنائب يفيد الإِجمال ثم التفصيل بقوله { فَرَّت من قَسْوَرة } . وقرأها الجمهور بكسر الفاء ، أي استنفرت هي مثل استجاب ، فيكون جملة فرّت من { قسورة } بياناً لسبب نفورها . وفي « تفسير الفخر » عن أبي علي الفارسي قال محمد بن سلام سألت أبا سوار الغَنَوِي وكان أعرابياً فصيحاً فقلت كأنهم حُمُر مَاذا فقال مستنفَرة بفتح الفاء فقلت له إنما هو فَرَّت من قسورة . فقال أفرَّتْ ؟ قلت نعم ، قال فمستنفِرة إِذَنْ فكسَرَ الفاء . و { قسورة } قيل هو اسم جمع قسْوَر وهو الرامي ، أو هو جمع على خلاف القياس إذ ليس قياس فَعْلَل أن يجمع على فَعْلَلة . وهذا تأويل جمهور المفسرين عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد وغيرهما فيكون التشبيه جارياً على مراعاة الحالة المشهورة في كلام العرب . وقيل القسورة مُفرد ، وهو الأسد ، وهذا مروي عن أبي هريرة وزيد بن أسلم وقال ابن عباس إنه الأسد بالحبشية ، فيكون اختلاف قول ابن عباس اختلافاً لفظياً ، وعنه أنه أنكر أن يكون قَسْور اسمَ الأسد ، فلعله أراد أنه ليس في أصل العربية . وقد عدّه ابن السبكي في الألفاظ الواردة في القرآن بغير لغة العرب في أبيات ذكر فيها ذلك ، قال ابن سيده القسور الأسد والقسورة كذلك ، أنثوه كما قالوا أُسامة ، وعلى هذا فهو تشبيه مبتكر لحالة إِعراض مخلوط برُعْب مما تضمنته قوارع القرآن فاجتمع في هذه الجملة تمثيلان . وإيثار لفظ { قسورة } هنا لصلاحيته للتشبيهين مع الرعاية على الفاصلة .