Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 75, Ayat: 31-35)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تفريع على قوله { يسأل أيان يوم القيامة } القيامة 6 . فالضمير عائد إلى الإِنسان في قوله { أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه } القيامة 3 أي لجهله البعث لم يستعد له . وحذف مفعول { كذّب } ليشمل كلَّ ما كذب به المشركون ، والتقدير كذب الرسولَ والقرآنَ وبالبعث ، وتولى عن الاستجابة لشرائع الإِسلام . ويجوز أن يكون الفاء تفريعاً وعطفاً على قوله { إلى ربك يومئذٍ المساق } القيامة 30 ، أي فقد فارق الحياة وسيق إلى لقاء الله خالياً من العُدّة لذلك اللقاء . وفي الكلام على كلا الوجهين حذف يدل عليه السياق تقديره فقد علم أنه قد خسر وتندم على ما أضاعه من الاستعداد لذلك اليوم . وقد ورد ذلك في قوله تعالى { إذا دُكّت الأرض دكاً دكاً وجاء ربك والملَك صفاً صفاً وجيء يومئذٍ بجهنم يومئذٍ يتذكر الإِنسان وأنّى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي } الفجر 21 ــــ 24 . وفعل { صَدَّق } مشتق من التصديق ، أي تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن وهو المناسب لقوله { ولكن كذّب } . والمعنى فلا ءامن بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وبَعض المفسرين فَسَّر { صدَّق } بمعنى أعطى الصَّدَقة ، وهو غير جار على قياس التصريف إذ حقه أن يقال تَصَدق ، على أنه لا يساعد الاستدراك في قوله { ولكن كذب } . وعُطف { ولا صلّى } على نفي التصديق تشويهاً له بأن حاله مبائن لأحْوَال أهل الإِسلام . والمعنى فلم يؤمن ولم يسلم . و { لا } نافية دخلت على الفعل الماضي والأكثر في دخولها على الماضي أن يعطف عليها نفي آخر وذلك حين يقصد المتكلم أمرين مثل ما هنا وقول زهير @ فَلا هو أخفاها ولم يتقدم @@ وهذا معنى قول الكسائي « لا بمعنى لَم ولكنه يقرن بغيره يقول العرب لا عبدُ الله خارج ولا فلان ، ولا يقولون مررت برجل لاَ محسنٍ حتى يقال ولا مجمل » اهـ فإذا لم يعطف عليه نفي آخر فلا يؤتى بعدها بفعل مُضِيَ إلاّ في إرادة الدعاء نحو « لا فُضَّ فُوك » وشذ ما خالف ذلك . وأما قوله تعالى { فَلاَ اقْتَحَمَ العقَبَةَ } البلد 11 فإنّه على تأويل تكرير النّفي لأنّ مفعول الفعل المنفي بحرف { لا } وهو العقبة يتضمن عدة أشياء منفية بيَّنها قوله { وما أدراك ما العقبة فكّ رقبة أو إطعام } إلى قوله { من الذين ءامنوا } البلد 12 ــ 17 . فلما كان ذلك متعلق الفعل المنفي كان الفعل في تأويل تكرير النفي كأنه قيل فَكَّ رقبة ولا أطعَم يتيماً ولا أطعم مسكيناً ولا آمن . وجملة { ولكن كذب } معطوفة على جملة { فلا صدّق } . وحرف { لكن } المخفف النون بالأصالة أي الذي لم يكن مُخفَّفَ النون المشددة أختَ إنّ هو حرف استدراك ، أي نقض لبعض ما تضمنته الجملة التي قبله إِما لمجرد توكيد المعنى بذكر نقيضه مثل قوله تعالى { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم } الأحزاب 5 ، وإما لبيان إجمال في النفي الذي قبله نحو { ما كان محمدٌ أبَاً أحد من رجالكم ولكن رسولَ الله } الأحزاب 40 . وحرف { لكن } المخفف لا يعمل إعراباً فهو حرف ابتداء ولذلك أكثر وقوعه بعد واو العطف وجُملة { ولكن كذب وتولى } أفادت معنيين أحدهما توكيد قوله { فلا صدَّق } بقوله { كَذب } ، وثانيهما زيادة بيان معنى { فَلا صدق } بأنه تولَّى عمداً لأنّ عدم التصديق له أحوال ، ونظيره في غير الاستدراك قوله تعالى { إلاّ إبليس أبى واستكبر } البقرة 34 . والتكذيب تكذيبه بالبعث وبالقرآن وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم والتولي الإِعراض عن دعوته إلى النظر والتدبر في القرآن . وفاعل { صَدق } والأفعال المذكورة بعده ضمائر عائدة على الإِنسان المتقدم ذكره . و { يتمطّى } يمشي المُطَيْطَاءَ بضم الميم وفتح الطاء بعدها ياء ثم طاء مقصورة وممدودة وهي التبختر . وأصل { يتمطى } يتمطط ، أي يتمدد لأن المتبختر يمُدّ خطاه وهي مشية المعجب بنفسه . وهنا انتهى وصف الإِنسان المكذب . والمعنى أنه أهمل الاستعداد للآخرة ولم يعبأ بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وذهب إلى أهله مزدهياً بنفسه غير مفكر في مصيره . قال ابن عطية قال جمهور المتأولين هذه الآية كلها من قوله { فَلا صدّق ولا صلّى } نزلت في أبي جهل بن هشام ، قال ثم كادت هذه الآية تصرح به في قوله تعالى { يتمطى } فإنها كانت مشية بني مخزوم وكان أبو جهل يكثر منها اهـ . وفيه نظر سيأتي قريباً . فقوله { أولَى لك } وعيد ، وهي كلمة تَوعُّد تجري مَجرى المَثَل في لزوم هذا اللفظ لكن تلحقه علامات الخطاب والغيبة والتكلم ، والمراد به ما يراد بقولهم ويل لك ، من دعاء على المجرور باللام بعدها ، أي دعاء بأن يكون المكروه أدنى شيء منه . { فأوْلى } اسم تفضيل من وَلي ، وفاعله ضمير محذوف عائد على مقدر معلوم في العرف ، فيقدره كل سامع بما يدل على المكروه ، قال الأصمعي معناه قاربكَ ما تَكره ، قالت الخنساء @ همَمْتُ بنفسيَ كُلَّ الهموم فأولى لنفسيَ أولى لها @@ وكان القانص إذا أفلتَه الصيدُ يخاطب الصيد بقوله { أولى لك } وقد قيل إن منه قوله تعالى { فأولى لهم } من قوله { فأولى لهم طاعة وقول معروف } في سورة القتال 20 ، 21 على أحد تأويلين يجعل طاعة وقول معروف مستأنفاً وليس فاعلاً لاسم التفضيل ، وذهب أبو علي الفارسي إلى أن { أولى } عَلم لمعنى الوَيل وأن وزنه أفْعل من الويل وهو الهلاك ، فأصل تصريفه أوْيَل لك ، أي أشدُّ هلاكاً لك فوقع فيه القلب لطلب التخفيف بأن أخرت الياء إلى آخر الكلمة وصار أوْلَى بوزن أفلَحَ ، فلما تحرك حرف العلة وانفتح ما قبله قلب ألفاً فقالوا أولى في صورة وزن فَعْلى . والكاف خطاب للإِنسان المصرح به غير مرة في الآيات السابقة بطريق الغيبة إظهاراً وإضماراً ، وعدل هنا عن طريق الغيبة إلى الخطاب على طريقة الالتفات لمواجهة الإِنسان بالدعاء لأن المواجهة أوقع في التوبيخ ، وكان مقتضى الظاهر أن يقال أولَى له . وقوله { فأولى } تأكيد لـ { أَوْلى لك } جيء فيه بفاء التعقيب للدلالة على أنه يدعي عليه بأن يعقبه المكروه ويعقب بدعاء آخر . قال قتادة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المسجد فاستقبله أبو جهل على باب بني مخزوم فأخذ رسول الله فلبَّبَ أبا جهل بثيابه وقال له { أولى لك فأولى ثم أولَى لك فأولى } قال أبو جهل يتهددني محمد أي يستعمل كلمة الدعاء في إرادة التهديد فوالله إني لأَعَزُّ أهلِ الوادي . وأنزل الله تعالى { أولى لك فأولى } كما قَال لأبي جهل . وقوله { ثم أولى لك فأولى } تأكيد للدعاء عليه ولتأكيده السابق . وجيء بحرف { ثم } لعطف الجملة دلالة على أن هذا التأكيد ارتقاء في الوعيد ، وتهديد بأشدَّ مما أفاده التهديد الأول وتأكيدُه كقوله تعالى { كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون } التكاثر 3 ، 4 . وأحسب أن المراد كُلُّ إنسان كافر كما يقتضيه أول الكلام من قوله { أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه } القيامة 3 إلى قوله { بل الإِنسان على نفسه بصيرة } القيامة 14 ، وما أبو جهل إلاّ مِن أولهم ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم توعده باللفظ الذي أنزله الله تهديداً لأمثاله . وكلمات المتقدمين في كون الشيء سبب نزول شيء من القرآن كلمات فيها تسامح .