Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 76, Ayat: 17-18)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أتبع وصف الآنية ومحاسنها بوصف الشراب الذي يحويه وطِيبه ، فالكأس كأس الخمر وهي من جملة عموم الآنية المذكورة فيما تقدم ولا تسمى آنية الخمر كأساً إلاّ إذا كان فيها خمر فكون الخمر فيها هو مصحح تسميتها كأساً ، ولذلك حسن تعدية فعل السقْي إلى الكأس لأن مفهوم الكأس يتقوم بما في الإِناء من الخمر ، ومثل هذا قول الأعشى @ وكأسٍ شربتُ على لذة وأُخرى تداويتُ منها بها @@ يريد وخمر شربتُ . والقول في إطلاق الكأس على الإِناء أو على ما فيه كالقول في نظيره المتقدم في قوله { إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً } الإنسان 5 . ومعنى الآية أن هذه سقْية أخرى ، أي مرة يشربون من كأس مزاجها الكافور ومرة يسقون كأساً مزاجها الزنجبيل . وضمير { فيها } للجنة من قوله { جنة وحريراً } الإنسان 12 . وزنجبيل كلمة معربة وأصلها بالكاف الأعجمية عوض الجيم . قال الجواليقي والثعالبي هي فارسية ، وهو اسم لجذور مثل جذور السُّعْد بضم السين وسكون العين تكون في الأرض كالجَزَر الدقيق واللفت الدقيق لونها إلى البياض لها نبات له زهر ، وهي ذات رائحة عِطرية طيبة وطعمها شبيه بطعم الفُلفل ، وهو ينبت ببلاد الصين والسند وعُمان والشحر ، وهو أصناف أحسنها ما ينبت ببلاد الصين ، ويدخل في الأدوية والطبخ كالأفاويه ورائحته بهارية وطعمه حريف . وهو منبه ويستعمل منقوعاً في الماء ومربّى بالسّكر . وقد عرفه العرب وذكره شعراء العرب في طيب الرائحة . أي يمزجون الخمر بالماء المنقوع فيه الزنجبيل لطيب رائحته وحسن طعمه . وانتصب { عيناً } على البدل من { زنجبيلاً } كما تقدم في قوله { كان مزاجها كافوراً عيناً يشرب بها عباد الله } الإنسان 5 ، 6 . ومعنى كون الزنجبيل عيناً أن منقوعه أو الشراب المستخرج منه كثير كالعين على نحو قوله تعالى { وأنهار من لبن لم يتغير طعمه } محمد 15 ، أي هو كثير جداً وكان يعرف في الدنيا بالعزة . و سلسبيل وصف قيل مشتق من السلاسة وهي السهولة واللين فيقال ماء سلسل ، أي عذب بارد . قيل زيدت فيه الباء والياء أي زيدتا في أصل الوضع على غير قياس . قال التبريزي في « شرح الحماسة » في قول البعيث بن حُرَيْث @ خَيالٌ لأمِّ السَّلْسبيل ودُونَها مسيرة شهر للبريد المذبذب @@ قال أبو العلاء السلسبيل الماء السهل المَساغ . وعندي أن هذا الوصف ركب من مادتي السلاسة والسَّبَالة ، يقال سبلت السماء ، إذا أمطرت ، فسبيل فعيل بمعنى مفعول ، رُكب من كلمتي السلاسة والسبيل لإِرادة سهولة شربه ووفرة جريه . وهذا من الاشتقاق الأكبر وليس باشتقاق تصريفي . فهذا وصف من لغة العرب عند محققي أهل اللغة . وقال ابن الأعرابي لم أسمع هذه اللفظة إلاّ في القرآن ، فهو عنده من مبتكرات القرآن الجارية على أساليب الكلام العربي ، وفي « حاشية الهمذاني على الكشاف » نسبة بيت البعث المذكور آنفاً مع بيتين بعده إلى أمية بن أبي الصلت وهو عزو غريب لم يقله غيره . ومعنى { تسمى } على هذا الوجه ، أنها توصف بهذا الوصف حتى صار كالعلم لها كما قال تعالى { لَيُسَمُّونَ الملائكة تسميةَ الأنثى } النجم 27 أي يصفونهم بأنهم إناث ، ومنه قوله تعالى { هل تعلم له سَمِيّاً } مريم 65 أي لا مثيل له . فليس المراد أنه علَم . ومن المفسرين من جعل التسمية على ظاهرها وجعل { سلسبيلاً } علماً على هذه العين ، وهو أنسب بقوله تعالى { تسمَّى } . وعلى قول ابن الأعرابي والجمهور لا إشكال في تنوين { سلسبيلاً } . وأما الجواليقي إنه أعجمي سمّي به ، يكون تنوينه للمزاوجة مثل تنوين { سلاسل } الإنسان 4 . وهذا الوصف ينحلّ في السمع إلى كلمتين سَل ، سَبيلا ، أي اطلُب طريقاً . وقد فسره بذلك بعض المفسرين وذكر أنه جُعل عَلَماً لهذه العين من قبيل العلَم المنقول عن جملة مثل تَأبط شراً ، وذَرَّى حَبّاً . وفي « الكشاف » أن هذا تكلف وابتداع .