Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 76, Ayat: 21-21)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الأشياء من شعار الملوك في عرف الناس زَمانَئِذ ، فهذا مرتبط بقوله { ومُلكاً كبيراً } الإنسان 20 . وقرأ نافع وحمزة وأبو جعفر { عَاليهم } بسكون الياء على أن الكلام جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لجملة { رأيْتَ نعيماً ومُلْكاً كبيراً } الإنسان 20 ، فـ { عاليهم } مبتدأ و { ثياب سندس } فاعلُه سادٌّ مسدّ الخبر وقد عمل في فاعله وإن لم يكن معتمداً على نفي أو استفهام أو وصف ، وهي لغة خَبير بنو لهب وتكون الجملة في موضع البيان لجملة { رأيت نعيماً } الإنسان 20 . وقرأ بقية العشرة { عَاليَهم } بفتح التحتية على أنه حال مفرد لـ { الأبرار } الإنسان 5 ، أي تلك حالة أهل الملك الكبير . وإضافة { ثياب } إلى { سندس } بيانية مثل خَاتَم ذَهَبِ ، وثَوْبِ خَزٍّ ، أي منه . والسندس الديباج الرقيق . والإستبرق الديباج الغليظ وتقدما عند قوله تعالى { ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق } في سورة الكهف 31 وهما معرَّبان . فأما السندس فمعرب عن اللغة الهندية وأصله سندون بنون في آخره ، قيل إن سبب هذه التسمية أنه جلب إلى الإِسكندر ، وقيل له إن اسمه سندون فصيره للغة اليونان سندوس لأنهم يكثرون تنهية الأسماء بحرف السين وصيّره العرب سُندساً . وفي اللسان أن السندس يتخذ من المِرْعِزَّى كذا ضبطه مصححه والمعروف المِرْعِز كما في « التذكرة » و « شفاء الغليل » . وفي « التذكرة » المِرْعز ما نَعُم وطال من الصوف اهـ . فلعله صوف حيوان خاص فيه طول أو هو من نوع الشعَر ، والظاهر أنه لا يكون إلاّ أخضر اللون لقول يزيد بن حذاق العبدي يصف مرعى فَرسه @ وداوَيْتُها حتى شَتَتْ حَبَشِيَّةً كأنَّ عليها سُندساً وسُدُوساً @@ أي في أرض شديدة الخضرة كلون الحَبشي . وفي « اللسان » السدوس الطيلسان الأخضر . ولقول أبي تمَّام يرثي محمد بن حميد النبهاني الطوسي @ تَرَدَّى ثيَابَ الموتِ حُمْراً فما أتَى لها الليلُ إلاَّ وهْيَ من سُندس خُضْرُ @@ وأما الإِستبرق فنسج من نسج الفرس واسمه فارسي ، وأصله في الفارسية استقره . والمعنى أن فوقهم ثياباً من الصنفين يلبسون هذا وذاك جمعاً بين محاسن كليهما ، وهي أفخر لباس الملوك وأهل الثروَة . ولون الأخضر أمتع للعين وكان من شعار الملوك ، قال النابغة يمدح ملوك غسان @ يَصونُون أجْساداً قديما نعيمها بخَالصةِ الأردَان خُضْر المَنَاكِب @@ والظاهر أن السندس كان لا يصبغ إلاّ أخضر اللون . وقرأ نافع وحفص " خضرٌ " بالرفع على الصفة لـ { ثياب } . و " إستبرقٌ " بالرفع أيضاً على أنه معطوف على { ثياب } بقيد كونها من سندس فمعنى عاليهم إستبرق أن الإِستبرق لباسُهم . وقرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم " خُضْرٍ " بالجر نعتاً لـ { سندس } ، و " إستبرق " بالرفع عطفاً على { ثياب } . وقرأ ابن عامر وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب " خُضْرٌ " بالرفع و " إستبرقٍ " بالجر عطفاً على { سندس } بتقدير وثياب إستبرق . وقرأ حمزة والكسائي { خُضرٍ } بالجر نعتاً لـ { سندسٍ } باعتبار أنه بيان للثياب فهو في معنى الجمع . وقرأ و { إستبرقٍ } بالجر عطفاً على { سندس } . والأساور جمع سِوار وهو حَلي شكله اسطواني فارغ الوسط يلبسه النساء في معاصمهن ولا يلبسه الرجال إلاّ الملوك ، وقد ورد في الحديث ذكر سواري كسْرى . والمعنى أن حال رجال أهل الجنة حال الملوك ومعلوم أن النساء يتحلّيْنَ بأصناف الحلي . ووصفت الأساور هنا بأنها { من فضة } . وفي سورة الكهف 31 بأنها { من ذهب } في قوله يُحلَّون فيها من أساور من ذهب ، أي مرة يحلَّون هذه ومرة الأخرى ، أو يحلونهما جميعاً بأن تجعل متزاوجة لأن ذلك أبْهج منظراً كما ذكرناه في تفسير قوله { كانت قواريرا قواريرا من فضة } الإنسان 15 ، 16 . { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } هذا احتراس مما يوهمه شُربهم من الكأس الممزوجة بالكافور والزنجبيل من أن يكون فيها ما في أمثالها المعروفة في الدنيا ومن الغَوْل وسوءِ القول والهذيان ، فعبر عن ذلك بكون شرابهم طَهوراً بصيغة المبالغة في الطهارة وهي النزاهة من الخبائث ، أي منزهاً عما في غيره من الخباثة والفساد . وأسند سقيه إلى ربهم إظهاراً لكرامتهم ، أي أمر هو بسقيهم كما يقال أطعَمهم ربُّ الدار وسقاهم .