Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 76, Ayat: 3-3)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
استئناف بياني لبيان ما نشأ عن جملة { نبتليه } الإنسان 2 ولتفصيل جملة { فجعلناه سميعاً بصيراً } الإنسان 2 ، وتخلُّصٌ إلى الوعيد على الكفر والوَعد على الشكر . وهداية السبيل تمثيل لحال المرشدِ . و { السبيل } الطريق الجادة إلى ما فيه النفع بواسطة الرُسل إلى العقائد الصحيحة والأعمال الصالحة التي هي سبب فوزه بالنعيم الأبدي ، بحال من يدل السائر على الطريق المؤدية إلى مقصده من سَيْره . وهذا التمثيل ينحل إلى تشبيهاتِ أجزاءِ الحالة المركَّبَة المشبَّهة بأجزاء الحالة المشبَّه بها ، فالله تعالى كالهادي ، والإِنسان يشبه السائر المتحير في الطريق ، وأعمال الدين تشبه الطريق ، وفوز المتتبع لهدي الله يشبه البلوغ إلى المكان المطلوب . وفي هذا نداء على أن الله أرشد الإِنسان إلى الحق وأن بعض الناس أدخلوا على أنفسهم ضلالَ الاعتقاد ومفاسدَ الأعمال ، فمن بَرَّأَ نفسه من ذلك فهو الشاكر وغيره الكفور ، وذلك تقسيم بحسب حال الناس في أول البعثة ، ثم ظهر من خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً . وتأكيد الخبر بـ إنَّ للرد على المشركين الذين يزعمون أن ما يدعوهم إليه القرآن باطل . و { إِما شاكراً وإما كفوراً } حالان من ضمير الغيبة في { هديناه } ، وهو ضمير { الإِنسان } الإنسان 2 . و { إما } حرف تفصيل ، وهو حرفٌ بسيط عند الجمهور . وقال سيبويه هو مركب من حرف إِنْ الشرطية و مَا النافية . وقد تجردت إنْ بالتركيب على الشرطية كما تجردت مَا عن النفي ، فصار مجموع { إِما } حرف تفصيل ، ولا عمل لها في الاسم بعدها ولا تمنع العامل الذي قبلها عن العمل في معموله الذي بعدها فهي في ذلك مثل اَلْ حرفِ التعريف . وقدر بعض النحاة { إما } الثانية حرفَ عطف وهو تحكم إذ جعلوا الثانية عاطفة وهي أخت الأولى ، وإنما العاطف الواو و { إِما } مقحمة بين الاسم ومعموله كما في قول تأبط شراً @ هُمَا خُطَّتَا إِمَّا إِسارٍ ومِنَّةٍ وإِمَّا دَمٍ والموتُ بالحُر أجْدَرُ @@ فإن الاسمين بعد إما في الموضعين من البيت مجرورَان بالإِضافة ولذلك حذفت النون من قوله هما خطتَا ، وذلك أفصح كما جاء في هذه الآية . قال ابن جنيّ « أما من جرَّ إِسار فإنه حذف النون للإِضافة ولم يَعتد إِمَّا فاصلاً بين المضاف والمضاف إليه ، وعلى هذا تقول هما إِما غلاما زيدٍ وإما عمرو ، وأجودُ من هذا أن تقول هما خطتَا إِسارٍ ومنةٍ وإِما خطتا دم ثم قال وأما الرفع فطريق المذهب ، وظاهر أمره أنه على لغة من حذف النون لغير الإِضافة فقد حُكي ذلك » الخ . ومقتضى كلامه أن البيت روي بالوجهين الجرِ والرفع وقريب منه كلام المرزوقي وزاد فقال « وحَذف النون إذا رفعتَ إسارُ استطالة للاسم كأنه استطال خطتا ببدَلِه وهو قوله إِما إسار » الخ . والمعنى إنا هديناه السبيل في حال أنه متردد أمره بين أحد هذين الوصفين وصفِ شاكر ووصفِ كفور ، فأحدُ الوصفين على الترديد مقارنٌ لحال إرشاده إلى السبيل ، وهي مقارنةٌ عرفية ، أي عَقب التبليغ والتأمل ، فإن أخذ بالهدى كان شاكراً وإن أعرض كان كفوراً كمن لم يأخذ بإرشاد من يهديه الطريق فيأخذ في طريق يلقى به السباع أو اللصوصَ ، وبذلك تم التمثيل الذي في قوله { إِنا هديناه السبيل } .