Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 77, Ayat: 1-7)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قسَم بِمخلوقات عظيمة دالّةٍ على عظيم علم الله تعالى وقدرته . والمقصود من هذا القسم تأكيد الخبر ، وفي تطويل القَسَم تشويقُ السامع لتلقي المقسم عليه . فيجوز أن يَكون المراد بموصوفات هذه الصفات نوعاً واحداً ، ويجوز أن يكون نوعين أو أكثر من المخلوقات العظيمة . ومشى صاحب « الكشاف » على أن المقسم بها كلهم ملائكة . ولم يختلف أهل التأويل أن { المُلْقِيات ذِكراً } للملائكة . وقال الجمهور العاصفات الرياح ولم يحك الطبري فيه مخالفاً . وقال القرطبي قيل العاصفات الملائكة . و { الفارقات } لم يحك الطبري إلاّ أنهم الملائكةُ أو الرسلُ . وحكى القرطبي عن مجاهد أنها الرياح . وفيما عدا هذه من الصفات اختَلَف المتأوّلون فمنهم من حملوها على أنها الملائكة ومنهم من حمل على أنها الرياح . فـ { المرسَلات } قال ابن مسعود وأبو هريرة ومقاتل وأبو صالح والكلبي ومسروق هي الملائكة . وقال ابن عباس وقتادة هي الرياح ، ونقل هذا عن ابن مسعود أيضاً ولعله يجيز التأويلين وهو الأوفق بعطفها بالفاء . و { الناشرات } قال ابن عباس والضحاك وأبو صالح الملائكة . وقال ابن مسعود ومجاهد الرياح وهو عن أبي صالح أيضاً . ويتحصل من هذا أن الله أقسَم بجنسين من مخلوقاته العظيمة مثل قوله { والسماءِ ذات البروج واليوم الموعود } البروج 1 ، 2 ، ومثله تكَرَّر في القرآن . ويتجه في توزيعها أن الصفات التي عطفت بالفاء تابعة لجنس مَا عطفت هي عليه ، والتي عطفت بالواو يترجح أنها صفاتُ جنس آخر . فالأرجح أن المرسلات والعاصفات صفتان للرياح ، وأن ما بعدها صفات للملائكة ، والواو الثانية للعطف وليست حرف قَسَم . ومناسبة الجمع بين هذين الجنسين في القسم أن كليهما من الموجودات العلوية لأن الأصل في العطف بالواو أن يكون المعطوف بها ذاتاً غير المعطوف عليه . وما جاء بخلاف ذلك فهو خلاف الأصل مثل قول الشاعر أنشده الفراء . @ إلى الملك القِرْم وابنِ الهُمام وليثِ الكتيبةِ في المزْدَحَم @@ أراد صفات ممدوح واحد . ولنتكلم على هذه الصفات فأما { المرسلات } فإذا جعل وصفاً للملائكة كان المعنيُّ بهم المرسلين إلى الرسل والأنبياء مثل جبريل في إرساله بالوحي ، وغيره من الملائكة الذين يبعثهم الله إلى بعض أنبيائه بتعليم أو خبر أو نصر كما في قوله تعالى عن زكرياء { فنادَتْه الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب } الآية آل عمران 39 ، أو { المرسلات } بتنفيذ أمر الله في العذاب مثل المرسلين إلى قوم لوط ، و { عُرْفاً } حال مفيدة معنى التشبيه البليغ ، أي مثل عرف الفرس في تتابع الشعر بعضه ببعض ، يقال هم كعرف الضبع ، إذا تألبوا ، ويقال جاءوا عرفاً واحداً . وهو صالح لوصف الملائكة ولوصف الريح . وفسر { عُرفاً } بأنه اسمٌ ، أي الشعرَ الذي على رقبة الفرس ونصبه على الحال على طريقة التشبيه البليغ ، أي كالعُرف في تتابع البعض لبعض ، وفسر بأنه مصدر بمعنى المفعول ، أي معرُوف ضد المنكَر ، وأن نصبه على المفعول لأجله ، أي لأجل الإِرشاد والصلاح . { فالعاصفات } تفريع على { المرسلات } ، أي ترسل فتعصف ، والعصف يطلق على قوة هبوب الريح فإن أريد بالمرسلات وصف الرياح فالعصف حقيقة ، وإن أريد بالمرسلات وصفُ الملائكة فالعصف تشبيه لنزولهم في السرعة بشدة الريح وذلك في المبادرة في سرعة الوصول بتنفيذ ما أمروا به . و { عَصْفاً } مؤكد للوصف تأكيداً لتحقيق الوصف ، إذ لا داعي لإِرادة رفع احتمال المجاز . والنشر حقيقته ضد الطي ويكثر استعماله مجازاً في الإِظهار والإِيضاح وفي الإِخراج . فـ { الناشرات } إذا جعل وصفاً للملائكة جاز أن يكون نشرَهم الوحي ، أي تكرير نزولهم لذلك ، وأن يكون النشر كناية عن الوضوح ، أي بالشرائع البينة . وإذا جعل وصفاً للرياح فهو نشر السحاب في الأجواء فيكون عطفه بالواو دون الفاء لتنبيه على أنه معطوف على { المرسلات } لا على { العاصفات } لأن العصف حالة مضرة والنشر حالة نفع . والقول في تأكيد { نشراً } وتنوينه كالقولِ في { عَصْفاً } . والفَرْق التمييز بين الأشياء ، فإذا كان وصفاً للملائكة فهو صالح للفرق الحقيقي مثل تمييز أهلِ الجنة عن أهل النار يوم الحساب ، وتمييز الأمم المعذبة في الدنيا عن الذين نجاهم الله من العذاب ، مثل قوم نوح عن نوح ، وعادٍ عن هود ، وقومِ لوط عن لوط وأهله عدا امرأته ، وصالح للفرق المجازي ، وهو أنهم يأتون بالوحي الذي يفرق بين الحق والباطل ، وبين الإِيمان والكفر . وإنْ جُعل وصفاً للرياح فهو من آثار النشر ، أي فَرقُها جماعات السحب على البلاد . ولتفرع الفرق بمعنييه عن النشر بمعانيه عطف { الفارقات } على { الناشرات } بالفاء . وأكد بالمفعول المطلق كما أكد مَا قبله بقوله { عصفاً } و { نشراً } ، وتنوينه كذلك . والملقيات الملائكة الذين يبلغون الوحي وهو الذِكْر . والإِلقاء مستعار لتبليغ الذكر من العالم العلوي إلى أهل الأرض بتشبيهه بإلقاء شيء من اليد إلى الأرض . وإلقاء الذكر تبليغ المواعظ إلى الرسل ليبلغوها إلى الناس وهذا الإِلقاء متفرع على الفرق لأنهم يخصّون كل ذكر بمن هو محتاج إليه ، فذكر الكفار بالتهديد والوعيد بالعذاب ، وذكر المؤمنين بالثناء والوعد بالنعيم . وهذا معنى { عُذْراً أوْ نُذُراً } . فالعُذر الإِعلام بقبول إيمان المؤمنين بعد الكفر ، وتوبةِ التائبين بعد الذنب . والنّذُر اسم مصدر أنذر ، إذا حَذر . و { عُذراً } قرأه الجمهور بسكون الذال ، وقرأه رَوْح عن يعقوب بضمها على الإِتباع لحركة العين . وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر ويعقوب { نُذُراً } بضم الذال وهو الغالب فيه . وقرأه أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلفٌ بإسكان الذال على الوجهين المذكورين في { عُذراً } ، وعلى كلتا القراءتين فهو اسم مصدر بمعنى الإِنذار . وانتصب { عذراً أو نذراً } على بدل الاشتمال من { ذِكْراً } و { أو } في قوله { أو نذراً } للتقسيم . وجملة { إن ما توعدون لواقع } جواب القسم وزيدت تأكيداً أنَّ لتقوية تحقيق وقوع الجواب . و { إنَّما } كلمتان هما إنَّ التي هي حرف تأكيد و ما الموصولة وليست هي إِنَّما التي هي أداة حصر ، والتي ما فيها زائدة . وقد كتبت هذه متصلة إِنَّ بـ ما لأنهم لم يكونوا يفرقون في الرسم بين الحالتين ، والرسم اصطلاح ، ورسم المصحف سُنة في المصاحف ونحن نكتبها مفصولة في التفسير وغيره . و { ما توعدون } هو البعث للجزاء وهم يعلمون الصلة فلذلك جيء في التعبير عنه بالموصولية . والخطاب للمشركين ، أي ما تَوعَّدكم الله به من العقاب بعد البعث واقع لا محالة وإن شككتم فيه أو نفيتموه . والواقع الثابتُ . وأصل الواقع الساقط على الأرض فاستعير للشيء المحقق تشبيهاً بالمستقر .