Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 78, Ayat: 40-40)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّآ أَنذَرْنَـٰكُمْ عَذَاباً قَرِيباً } . اعتراض بين { مئاباً } النبأ 39 وبين { يوم ينظر المرء ما قدمت يداه } كيفما كان موقع ذلك الظرف حسبما يأتي . والمقصود من هذه الجملة الإِعذار للمخاطبين بقوارع هذه السورة بحيث لم يبق بينهم وبين العلم بأسباب النجاة وضدها شُبهةٌ ولا خفاء . فالخبر وهو { إنا أنذرناكم عذاباً قريباً } مستعمل في قطع العذر وليس مستعملاً في إفادة الحكم لأن كون ما سبق إنذاراً أمر معلوم للمخاطبين . وافتُتح الخبر بحرف التأكيد للمبالغة في الإِعذار بتنزيلهم منزلة من يتردد في ذلك . وجُعل المسند فعلاً مسنداً إلى الضمير المنفصل لإفادة تقوّي الحكم ، مع تمثيل المتكلم في مَثَل المتبرىء من تبعه ما عسى أن يلحق المخاطبين من ضرٍّ إن لم يأخذوا حذرهم مما أنذرهم به كما يقول النذير عند العرب بعد الإِنذار بالعدوّ « أنا النذير العريان » . والإِنذار الإِخبار بحصول ما يسوء في مستقبل قريب . وعُبر عنه بالمضي لأن أعظم الإِنذار قد حصل بما تقدم من قوله { إن جهنم كانت مرصاداً للطاغين مئاباً } النبأ 21 ـــ 22 إلى قوله { فلن نزيدكم إلا عذاباً } النبأ 30 . وقرب العذاب مستعمل مجازاً في تحققه وإلا فإنه بحسب العرف بعيد ، قال تعالى { إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً } المعارج 6 ، 7 ، أي لتحققه فهو كالقريب على أن العذاب يصدق بعذاب الآخرة وهو ما تقدم الإِنذار به ، ويصدق بعذاب الدنيا من القتل والأسر في غزوات المسلمين لأهل الشرك . وعن مقاتل هو قَتْل قريش ببدر . ويشمل عذاب يوم الفتح ويوم حنين كما ورد لفظ العذاب لذلك في قوله تعالى { يعذبهم اللَّه بأيديكم } التوبة 14 وقوله { وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك } الطور 47 . { يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يَـٰلَيْتَنِى كُنتُ تُرَٰبَاً } . يجوز أن يتعلق بفعلِ { اتخذ إلى ربه مئاباً } النبأ 39 فيكون { يوم ينظر } ظرفاً لغْواً متعلقاً بــــ { أنذرناكم } . ويجوز أن يكون بدلاً من { يوم يقوم الروح والملائكة صفاً } النبأ 38 لأن قيام الملائكة صفّاً حضور لمحاسبة الناس وتنفيذ فصل القضاء عليهم وذلك حين ينظر المرء ما قدمت يداه ، أي ما عمله سالفاً فهو بدل من الظرف تابع له في موقعه . وعلى كلا الوجهين فجملة { إنا أنذرناكم عذاباً قريباً } معترضة بين الظرف ومتعلقه أو بينه وبين ما أبدل منه . والمرء اسم للرجل إذ هو اسم مؤنثُه امرأة . والاقتصار على المرء جَريٌ على غالب استعمال العرب في كلامهم ، فالكلام خرج مخرج الغالب في التخاطب لأن المرأة كانت بمعزل عن المشاركة في شؤون ما كان خارجَ البيت . والمراد ينظر الإِنسان من ذكر أو أنثى ، ما قدمت يداه ، وهذا يعلم من استقراء الشريعة الدال على عموم التكاليف للرجال والنساء إلا ما خُص منها بأحد الصنفين لأن الرجل هو المستحضَر في أذهان المتخاطبين عند التخاطب . وتعريف { المرء } للاستغراق مثل { إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } العصر 2 ـــ 3 . وفعل { ينظر } يجوز أن يكون من نظر العين أي البصر ، والمعنى يوم يرى المرء ما قدمته يداه . ومعنى نظر المرء ما قدمت يداه حصول جزاء عمله له ، فعبر عنه بالنظر لأن الجزاء لا يخلو من أن يكون مرئياً لِصاحِبِه من خير أو شر ، فإطلاق النظر هنا على الوجدان على وجه المجاز المرسل بعلاقة الإِطلاق ونظيره قوله تعالى { ليروا أعمالهم } الزلزلة 6 ، وقد جاءت الحقيقة في قوله تعالى { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً } آل عمران 30 الآية ، وما موصولة صلتها جملة { قدمت يداه } . ويجوز أن يكون مِن نظر الفكر ، وأصله مجاز شاع حتى لحق بالمعاني الحقيقية كما يقال هو بخير النظرين . ومنه التَنظُّر توقُع الشيء ، أي يوم يترقب ويتأمل ما قدمت يداه ، وتكون ما على هذا الوجه استفهامية وفعل { ينظر } معلقاً عن العمل بسبب الاستفهام ، والمعنى ينظر المرء جوابَ من يسأل ما قدمت يداه ؟ ويجوز أن يكون من الانتظار كقوله تعالى { هل ينظرون إلاَّ تأويله } الأعراف 53 . وتعريف { المرء } تعريف الجنس المفيد للاستغراق . والتقديم تسبيق الشيء والابتداء به . و { ما قدمت يداه } هو ما أسلفه من الأعمال في الدنيا من خير أو شر فلا يختص بما عمله من السيئات فقد قال تعالى { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء } آل عمران 30 الآية . وقوله { ما قدمت يداه } إما مجاز مرسل بإطلاق اليدين على جميع آلات الأعمال وإما أن يَكون بطريقة التمثيل بتشبيه هيئة العامل لأعماله المختلفة بهيئة الصانع للمصنوعات بيديه كما قالوا في المثل « يَداك أوْكَتا » ولو كان ذلك على قول بلسانه أو مشي برجليه . ولا يحسن أن يجعل ذكر اليدين من التغليب لأن خصوصية التغليب دون خصوصية التمثيل . وشمل { ما قدمت يداه } الخير والشر . وخُص بالذكر من عموم المرء الإِنسانُ الكافر الذي يقول { يا ليتني كنت تراباً } لأن السورة أقيمت على إنذار منكري البعث فكان ذلك وجه تخصيصه بالذكر ، أي يوم يتمنى الكافر أنه لم يخلق من الأحياء فضلاً عن أصحاب العقول المكلفين بالشرائع ، أي يتمنى أن يكون غير مدرك ولا حسّاس بأن يكون أقل شيء مما لا إدراك له وهو التراب ، وذلك تلهف وتندم على ما قدمت يداه من الكفر . وقد كانوا يقولون { أئذا كنا عظاماً ورفاتاً أإنا لمبعوثون } الإسراء 98 فجعل الله عقابهم بالتحسر وتمني أن يكونوا من جنس التراب . وذكر وصف الكافر يفهم منه أن المؤمن ليس كذلك لأن المؤمن وإن عمل بعض السيئات وتوقع العقاب على سيئاته فهو يرجو أن تكون عاقبته إلى النعيم وقد قال الله تعالى { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً } آل عمران 30 وقال { ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } الزلزلة 6 ـــ 8 ، فالمؤمنون يرون ثواب الإيمان وهو أعظم ثواب ، وثواب حسناتهم على تفاوتهم فيها ويرجون المصير إلى ذلك الثواب وما يرونه من سيئاتهم لا يطغى على ثواب حسناتهم ، فهم كلهم يرجون المصير إلى النعيم ، وقد ضرب الله لهم أو لمن يقاربهم مثلاً بقوله { وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون } الأعراف 46 على ما في تفسيرها من وجوه . وهذه الآية جامعة لما جاء في السورة من أحوال الفريقين وفي آخرها رد العجز على الصدر من ذكر أحوال الكافرين الذين عُرِّفوا بالطاغين وبذلك كان ختام السورة بها براعة مقطع .