Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 79, Ayat: 20-24)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الفاء في قوله { فأراه الآية الكبرى } فصيحة وتفريع على محذوف يقتضيه قوله { اذهب إلى فرعون } النازعات 17 . والتقدير فذهب فدعاه فكذبه فأراه الآية الكبرى ، وذلك لأن قوله { إنه طغى } النازعات 17 يؤذن بأنه سيلاقي دعوةَ موسى بالاحتقار والإِنكار ، لأن الطغيان مِظنّة ذينك ، فعرض موسى عليه إظهار آية تدل على صدق دعوته لعله يوقن كما قال تعالى { قال أو لو جئتك بشيء مبين قال فأت به إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين } الشعراء 30 ـــ 32 ، فتلك هي الآية الكبرى المرادة هنا . والآية حقيقتها العلامة والأمارة ، وتطلق على الحجة المثبتة لأنها علامة على ثبوت الحق ، وتطلق على معجزة الرسول لأنها دليل على صدق الرسول وهو المراد هنا . وأعقب فعل { فأراه الآية الكبرى } بفعل { فكذَّب } للدلالة على شدة عناده ومكابرته حتى أنه رأى الآية فلم يتردد ولم يتمهل حتى ينظرَ في الدلالة ، بل بادر إلى التكذيب والعصيان . والمراد بعصيانه عصيان أمر الله أن يوحده أو أن يُطلق بني إسرائيل من استعبادهم وتسخيرهم للخدمة في بلاده . وعطف { ثم أدبر يسعى } بــــ { ثم } للدلالة على التراخي الرتبي كما هو شأنها في عطف الجُمل ، فأفادت { ثم } أن مضمون الجملة المعطوفة بها أعلى رتبة في الغرض الذي تضمنته الجملة قبلها ، أي أنه ارتقى من التكذيب والعصيان إلى ما هو أشد وهو الإِدبار والسعي وادعاء الإِلٰهية لنفسه ، أي بعد أن فكّر ملياً لم يقتنع بالتكذيب والعصيان فخشي أنه إن سكت ربما تروج دعوة موسى بين الناس فأراد الحيطة لدفعها وتحذيرَ الناس منها . والإِدبار والسعي مستعملان في معنييهما المجازيين فإن حقيقة الإِدبار هو المشي إلى الجهة التي هي خَلْف الماشي بأن يكون متوجهاً إلى جهة ثم يتوجه إلى جهة تعاكسها . وهو هنا مستعار للإِعراض عن دعوة الداعي مثل " قول النبي صلى الله عليه وسلم لمسيلمة لما أبى الإِيمان « ولئن أدبرتَ ليَعْقِرَنَّكَ اللَّه » " وأما السعي فحقيقته شدة المشي ، وهو هنا مستعار للحرص والاجتهاد في أمره الناسَ بعدم الإِصغاء لكلام موسى ، وجمع السحرة لمعارضة معجزته إذ حسبها سحراً كما قال تعالى { فتولى فرعون فجمع كيده } طه 60 . والعمل الذي يسعى إليه يبينه قوله تعالى { فحشَر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى } فثلاثتها مرتبة على { يسعى } . فجملة { فحشر } عطف على جملة { يسعى } لأن فرعون بذل حرصه ليقنع رعيته بأنه الربُّ الأعلى خشية شيوع دعوة موسى لعبادة الرب الحق . ويجوز أن يكون { أدبر } على حقيقته ، أي ترك ذلك المجمع بأن قام معرضاً إعلاناً بغضبه على موسى ويكون { يسعى } مستعملاً في حقيقته أيضاً ، أي قام يشتدّ في مشيه وهي مشية الغاضب المعرض . والحشر جمع الناس ، وهذا الحشر هو المبيّن في قوله تعالى { قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم } الشعراء 36 ، 37 . وحذف مفعول حشر لظهوره لأن الذين يحشرون هم أهل مدينته من كل صنف . وعطف { فنادى } بالفاء لإِفادة أنه أعلن هذا القول لهم بفور حضورهم لفرط حرصه على إبلاغ ذلك إليهم . والنداء حقيقته جهر الصوت بدعوة أحد ليحضر ولذلك كانت حروف النداء نائبة مناب أدعو فنصبَت الاسم الواقع بعدها . ويطلق النداء على رفع الصوت دون طلب حضور مجازاً مرسلاً بعلاقة اللزوم كقول الحريري في « المقامة الثلاثين » « فحِين جلس كأنه ابنُ ماءِ السماء ، نادَى مُنادٍ من قِبَل الأحماء » الخ . وحذف مفعول نادى كما حذف مفعول حشر . وإسناد الحشر والنداء إلى فرعون مجاز عقلي لأنه لا يباشر بنفسه حشر الناس ولا نداءهم ولكن يأمر أتباعه وجنده ، وإنما أسند إليه لأنه الذي أمر به كقولهم بنَى المنصورُ بغداد . والقول الذي نادى به هو تذكير قومِه بمعتقدهم فيه فإنهم كانوا يعتبرون مَلك مصر إلٰهاً لأن الكهنة يخبرونهم بأنه ابن آمون رَعْ الذي يجعلونه إلٰهاً ومَظهَره الشمس . وصيغة الحصر في { أنا ربكم } لردّ دعوة موسى . وقوله { فقال أنا ربكم الأعلى } بدل من جملة { فنادى } بدلاً مطابقاً بإعادة حرف العطف ، وهو الفاء لأن البدل قد يقترن بمثل العامل في المبدَل منه لقصد التأكيد كما في قوله تعالى { ومن النَّخل من طلعها قنوان دانية } وتقدم في سورة الأنعام 99 . ويجوز أن تكون جملة { فقال أنا ربكم } عطفاً على جملة { يسعى } على أن يكون فرعون أمر بهذا القول في أنحاء مملكته ، وليس قاصراً على إعلانه في الحشر الذين حشرهم حول قصره . فوصف نفسه بالرب الأعلى لأنه ابن أمون رَعْ وهوالرّب الأعلى ، فابنه هو القائم بوصفه ، أو لأنه كان في عصر اعتقاده أن فرعون رب الأرباب المتعددة عندهم فصفة { الأعلى } صفة كاشفة .