Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 12-13)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إذ } ظرف متعلق بقوله { فاستجاب لكم أني ممدكم بألفٍ من الملائكة مردفين } الأنفال 9 . وجعل الخطاب هنا للنبيء صلى الله عليه وسلم تلطفاً به ، إذ كانت هذه الآية في تفصيل عمل الملائكة يوم بدر ، وما خاطبهم الله به فكان توجيه الخطاب بذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم أولى لأنه أحق من يعلم مثل هذا العلم ويحصل العلم للمسلمين تبعاً له ، وأن الذي يهم المسلمين من ذلك هو نصر الملائكة إياهم وقد حصل الإعلام بذلك من آية { إذ تستغيثون ربكم } الأنفال 9 ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول من استغاث الله ، ولذلك عرف الله هنا باسم الرب وإضافته إلى ضمير النبي صلى الله عليه وسلم ليوافق أسلوب { إذ تستغيثون ربكم } الأنفال 9 ولما فيه من التنويه بقدر نبيه صلى الله عليه وسلم إشارة إلى أنه فعل ذلك لطفاً به ورفعاً لشأنه . والوحي إلى الملائكة المرسلين إما بطريق إلقاء هذا الأمر في نفوسهم بتكوين خاص ، وإما بإبلاغهم ذلك بواسطة . و { أنّي معكم } قيل هو في تأويل مصدر وذلك المصدر مفعول يوحي ، أي يوحي إليهم ثبوتَ معيّتِه لهم ، فيكون المصدر ، منصوباً على المفعول به ليوحي ، بهذا التأويل وقيل على تقدير باء الجر . وأنت على ذُكْر مما قدمناه قريباً في قوله تعالى { أني ممدكم بألفٍ من الملائكة } الأنفال 9 من تحقيق أن تكون أن المفتوحة الهمزةِ المشددة النوننِ مفيدة معنى أنْ التفسيرية ، إذا وقعت معمولة لما فيه معنى القول دون حروفه . والمعية حقيقتها هنا مستحيلة فتحمل على اللائِقة بالله تعالى أعني المعية المجازية ، فقد يَكون معناها توجه عنايته إليهم وتيسير العمل لهم ، وقد تكرر إطلاق مع بمثل هذا في القرآن كقوله { وهْو مَعكم أينما كنتم } الحديد 4 . وإيحاء الله إلى الملائكة بهذا مقصود منه تشريفهم وتشريف العمل الذي سيكلفون به ، لأن المعية تؤذن إجمالاً بوجود شيء يستدعي المصاحبة ، فكان قوله لهم { أني معكم } مقدمة للتكليف بعمل شريف ولذلك يذكْر ما تتعلق به المعية لأنه سيعلم من بقية الكلام ، أي أني معكم في عملكم الذي أكفلكم به . ومن هنا ظهر موقع فَاء الترتيب في قوله { فثبتوا الذين آمنوا } من حيث ما دل عليه { أني معكم } من التهيئة لتلقي التكليف بعمل عظيم وإنما كان هذا العمل بهذه المثابة لأنه إبدال للحقائق الثابتة باقتلاعها ووضع أضدادها لأنه يجعل الجبن شجاعة ، والخوف إقداماً والهلع ثباتاً ، في جانب المؤمنين ، ويجعل العزة رعباً في قلوب المشركين ، ويقطع أعناقهم وأيديهم بدون سَبب من أسباب القطع المعتادة فكانت الأعمال التي عُهد للملائكة عملُها خوارقَ عادات . والتثبيت هنا مجاز في إزالة الاضطراب النفساني مما ينشأ عن الخوف ومن عدم استقرار الرأي واطمئنانه . وعُرف المثبتُون بالموصول لما تومىء إليه صلة { آمنوا } من كون إيمانهم هو الباعث على هذه العناية ، فتكون الملائكة بعناية المؤمنين لأجل وصف الإيمان . وتثبيت المؤمنين إيقاع ظن في نفوسهم بأنهم منصورون ويسمى ذلك إلهاماً وتثبيتاً ، لأنه إرشاد إلى ما يطابق الواقع ، وإزالة للاضطراب الشيطاني ، وإنما يكون خيراً إذا كان جارياً على ما يحبه الله تعالى بحيث لا يكون خاطراً كاذباً ، وإلاّ صار غروراً ، فتشجيع الخائف حيث يريد الله منه الشجاعة خاطر ملكي وتشجيعه حيث ينبغي أن يتوقى ويخاف خاطر شيطاني ووسوسة ، لأنه تضليل عن الواقع وتخذيل . ولم يسند إلقاء الرعب في قلوب الذين كفروا إلى الملائكة بل أسنده الله إلى نفسه وحده بقوله { سألقي في قلوب الذين كفروا الرعْب } لأن أولئك الملائكة المخاطبين كانوا ملائكة نصر وتأييد فلا يليق بقواهم إلقاء الرعب ، لأن الرعب خاطر شيطاني ذميم ، فجعله الله في قلوب الذين كفروا بواسطة أخرى غير الملائكة . وأسند إلقاء الرعْب في قلوب الذين كفروا إلى الله على طريقةٌ الإجمال دون بيان لكيفية إلقائه ، وكل ما يقع في العالم هو من تقدير الله على حسب إرادته ، وأشار ذلك إلى أنه رعب شديد قدره الله على كيفية خارقة للعادة ، فإن خوارق العادات قد تصدر من القُوى الشيطانية بإذن الله وهو ما يسمى في اصطلاح المتكلمين بالإهانة وبالاستدراج ، ولا حاجة إلى قصد تحقير الشيطان بإلقاء الرعب في قلوب المشركين كما قصد تشريف الملائكة ، لأن إلقاء الرعب في قلوب المشركين يعود بالفائدة على المسلمين ، فهو مبارك أيضاً ، وإنما كان إلقاء الرعْب في قلوب المشركين خارقَ عادة ، لأن أسباب ضده قائمة ، وهي وفرة عددهم وعُددهم وإقدامُهم على الخروج إلى المسلمين ، وحرصهم على حماية أموالهم التي جاءت بها العير . فجملة { سألقي في قلوب الذين كفروا } مستأنفة استئنافاً ابتدائياً إخباراً لهم بما يقتضي التخفيف عليهم في العمل الذي كلفهم الله به بأن الله كفاهم تخذيل الكافرين بعمل آخر غير الذي كَلف الملائكة بعمله ، فليست جملة { سألقي } مفسرة لمعنى { أني معكم } . ولم يقل سنلقي لئلا يتوهم أن للملائكة المخاطبين سبباً في إلقاء الرعب في قلوب الذين كفروا كما علمتَ آنفاً . وتفريع { فاضربوا فوق الأعناق } على جملة { سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب } المفرعة هنا أيضاً على جملة { فثبتوا الذين آمنوا } في المعنى ، يؤذن بما اقتضته جملة { سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب } من تخفيف عمل الملائكة عليهم بعض التخفيف الذي دل عليه إجمالاً قوله { أني معكم } كما تقدم { فوق الأعناق } على الظرفية لاضْربوا . و { الأعناق } أعناق المشركين وهو بيّن من السياق ، واللام فيه والمراد بعض الجنس بالقرينة للجنس أو عوض عن المضاف إليه بقرينة قوله بعد { واضْربوا منهم كل بنان } . والبنان اسم جمع بَنَانَة وهي الأصبع وقيل طرف الأصبع ، وإضافة كل إليه لاستغراق أصحابها . وإنما خصت الأعناق والبنان لأن ضرب الأعناق إتلاف لأجساد المشركين وضرب البنان ، يبطل صلاحية المضروب للقتال ، لأن تناول السلاح إنما يكون بالأصابع ، ومن ثَم كثر في كلامهم الاستغناء بذكر ما تتناوله اليد أو ما تتناوله الأصابع ، عن ذكر السيف ، قال النابغة @ وأن تلادي أن نظرت وشِكّتي ومُهري وما ضَمَّتْ إليّ الأنامل @@ يعني سيفه ، وقال أبو الغول الطهوي @ فدت نفسي وما ملكتْ يميني فوارسَ صُدِّقت فيهم ظنوني @@ يريد السيف ومثل ذلك كثير في كلامهم فضرب البنان يحصل به تعطيل عمل اليد فإذا ضُربت اليد كلها فذلك أجدر . وضرب الملائكة يجوز أن يكون مباشرة بتكوين قطع الأعناق والأصابع بواسطة فعل الملائكة على كيفية خارقة للعادة وقد ورد في بعض الآثار عن بعض الصحابة ما يشهد لهذا المعنى ، فإسناد الضرب حقيقة . ويجوز أن يكون بتسديد ضربات المسلمين وتوجيه المشركين إلى جهاتها ، فإسناد الضرب إلى الملائكة مجاز عقلي لأنهم سببه ، وقد قيل الأمر بالضرب للمسلمين ، وهو بعيد ، لأن السورة نزلت بعد انكشاف الملحمة . وجملة { ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله } تعليل لأن الباء في قوله { بأنهم } باء السببية فهي تفيد معنى التعليل ولهذا فُصلت الجملة . والمخاطب بهذه الجملة إما الملائكة ، فتكون من جملة الموحى به إليهم إطْلاعاً لهم على حكمة فعل الله تعالى . لزيادة تقريبهم ، ولا يريبك إفراد كاف الخطاب في اسم الإشارة لأن الأصل في الكاف مع اسم الإشارة الإفراد والتذكير ، وإجراؤها على حسب حال المخاطب بالإشارة جائز وليس بالمتعين ، وإما من تبلغهم الآية من المشركين الأحياء بعد يوم بدر ، ولذا فالجملة معترضة للتحذير من الاستمرار على مشاقة الله ورسوله . والقول في إفراد الكاف هُو هُو إذ الخطاب لغير معين والمراد نوع خاص ، ويجوز أن يكون المخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم والمشار إليه ما أمروا به من ضرب الأعناق وقطع البنان . وإفراد اسم الإشارة بتأويله بالمذكور ، وتقدم غير مرة . والمشاقة العداوة بعصيان وعناد ، مشتقة من الشّق بكسر الشين وهو الجانب ، هو اسم بمعنى المشقوق أي المفرق ، ولما كان المخالف والمعادي يكون متباعداً عن عدوه فقد جعل كأنه في شق آخر ، أي ناحية أخرى ، والتصريح بسبب الانتقام تعريض للمؤمنين ليستزيدوا من طاعة الله ورسوله ، فإن المشيئة لما كانت سبب هذا العقاب العظيم فيوشك ما هو مخالفة للرسول بدون مشاقة أن يُوقع في عذاب دون ذلك ، وخليق بأن يكون ضدها وهو الطاعة موجباً للخير . وجملة { ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب } تذييل يعم كل من يشاقق الله ويعم أصناف العقائد . والمراد من قوله { فإن الله شديد العقاب } الكناية عن عقاب المشاقين وبذلك يظهر الارتباط بين الجزاء وبين الشرط باعتبار لازم الخبر وهو الكناية عن تعلق مضمون ذلك الخبر بمن حصل منه مضمون الشرط ، كقول عنترة @ إن تُغْدِ في ، دونِي القناع فإنني طَبُّ بأخذ الفارس المستلْئمِ @@ يريد فأني لا يخفى عليَّ من يستر وجهه مني وأني أتوسّمه وأعرفه .