Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 19-19)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

جمهور المفسرين جعلوا الخطاب موجهاً إلى المشركين ، فيكون الكلام اعتراضاً خوطب به المشركون في خلال خطبات المسلمين بمناسبة قوله { ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين } الأنفال 18 والخطاب التفات من طريق الغيبة الذي اقتضاه قوله { وأن الله موهن كيد الكافرين } الأنفال 18 وذكر المفسرون في سبب نزولها أن أبا جهل وأصحابه لما أزمعوا الخروج إلى بدر استنصروا الله تجاه الكعبة ، وأنهم قبل أن يشرعوا في القتال يومَ بدر استنصروا الله أيضاً وقالوا ربنا افتح بيننا وبين محمد وأصحابه ، فخوطبوا بأن قد جاءهم الفتح على سبيل التهكم أي الفتح الذي هو نصر المسلمين عليهم . وإنما كان تهكماً لأن في معنى { جاءكم الفتح } استعارة المجيء للحصول عندهم تشبيهاً بمجيء المُنجد لأن جعل الفتح جاءيا إياهم . يقتضي أن النصر كان في جانبهم ولمنفعتهم ، والواقع يخالف ذلك ، فعُلم أن الخبر مستعمل في التهكم بقرينة مخالفته الواقع بمسمع المخاطبين ومرآهم . وحَمل ابن عطية فعل { جاءكم } على معنى فقد تبين لكم النصر ورأيتموه أنه عليكم لا لكم ، وعلى هذا يكون المجيء بمعنى الظهور مثل { وجاء ربك } الفجر 22 ومثل { جاء الحق وزهق الباطل } الإسراء 81 ولا يكون في الكلام تهكم . وصيغ { تستفتحوا } بصيغة المضارع مع أن الفعل مضى لقصد استحضار الحالة من تكريرهم الدعاء بالنصر على المسلمين ، وبذلك تظهر مناسبة عطف { وإن تنتهوا فهو خير لكم } إلى قوله { وأن الله مع المؤمنين } أي تنتهوا عن كفركم بعد ظهور الحق في جانب المسلمين . وعطف الوعيدُ على ذلك بقوله { وإن تَعُودوا نعد } أي إن تعودوا إلى العناد والقتال نعد ، أي نعد إلى هزمكم كما فعلنا بكم يوم بدر . ثم أيْأسهم من الانتصار في المستقبل كله بقوله { ولن تُغني عنكم فئتكم شيئاً ولو كثرت } أي لا تنفعكم جماعتكم على كثرتها كما لم تغن عنكم يوم بدر ، فإن المشركين كانوا يومئذٍ واثقين بالنصر على المسلمين لِكثرة عَددهم وعُدَدهم . والظاهر أن جملة { إن تعودوا } معطوفة على جملة الجزاء وهي { فقد جاءكم الفتح } . و { لو } اتصالية أي { لن } تغني عنكم في حال من الأحوال ولو كانت في حال كثرة على فئةِ أعدَائِكم ، وصاحب الحال المقترنة بـلو الاتصالية قد يكون متصفاً بمضمونها ، وقد يَكون متصفاً بنقيضه ، فإن كان المراد من العَود في قوله { وإن تعودوا } العود إلى طلب النصر للمُحق فالمعنى واضح ، وإن كان المراد منه العود إلى محاربة المسلمين فقد يشكل بأن المشركين انتصروا على المسلمين يومَ أُحُد فلم يتحقق معنى نَعُد ولا موقع لجملة { ولن تغني عنكم فئتكم } فإن فئتهم أغنت عنهم يوم أُحُد . والجواب عن هذا إشكال أن الشرط لم يكن بأداة شرط مما يفيد العموم مثل مَهْما فلا يُبطله تخلف حصول مضمون الجزاء عن حصول الشرط في مرة ، أو نقول إن الله قضى للمسلمين بالنصر يوم اُحُد ، ونصرهم وعلم المشركون أنهم قد غُلبوا ثم دارت الهزيمة على المسلمين لأنهم لم يمتثلوا لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبرَحوا عن الموضع الذي أمرهم أن لا يبرحوا عنه طلباً للغنيمة فعوقبوا بالهزيمة كما قال { وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله } آل عمران 166 وقال { إن الذين تَولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا } وقد مضى ذلك في سورة آل عمران 155 ، وبعدُ ففي هذا الوعيد بشارة أن النصر الحاسم سيكون للمسلمين وهو نصر يوم فتح مكة . وجملة وأن الله مع المؤمنين على هذا التفسير زيادة في تأييس المشركين من النصر ، وتنويه بفضل المؤمنين بأن النصر الذي انتصروه هو من الله لا بأسبابهم فإنهم دون المشركين عدداً وعُدة . ومن المفسرين من جعل الخطاب بهذه الآية للمسلمين ، ونسب إلى أُبيّ بن كعب وعطاء ، لكون خطاب المشركين بعد الهجرة قد صار نادراً ، لأنهم أصبحوا بُعداء عن سماع القرآن ، فتكون الجملة مستأنفة استينافاً بيانياً فإنهم لما ذُكروا باستجابة دعائهم بقوله { إذ تستغيثون ربكم } الأنفال 9 الآيات ، وأمروا بالثبات للمشركين ، وذكروا بنصر الله تعالى إياهم يوم بدر بقوله { فلم تقتلوهم } الأنفال 17 إلى قوله { مُوهن كيد الكافرين } الأنفال 18 كان ذلك كله يثير سؤالاً يختلج في نفوسهم أن يقولوا أيكون كذلك شأننا كلما جاهدنا أم هذه مزية لوقعة بدر ، فكانت هذه الآية مفيدة جواب هذا التساؤل . فالمعنى إن تستنصروا في المستقبل قوله فقد جاءكم الفتح ، والتعبير بالفعل الماضي في جواب الشرط للتنبيه على تحقيق وقوعه ، ويَكون قوله { فقد جاءكم الفتح } دليلاً على كلام محذوف ، والتقدير إن تستنصروا في المستقبل ننصركم فقد نصرناكم يوم بدر . والاستفتاح على هذا التفسير كناية عن الخروج للجهاد ، لأن ذلك يستلزم طلب النصر ومعنى { وإن تنتهوا فهو خير لكم } أي إن تمسكوا عن الجهاد حيث لا يتعين فهو أي الإمساك ، خير لكم لتستجمعوا قوتكم وأعدادكم ، فأنتم في حال الجهاد منتصرون ، وفي حال السلم قائمون بأمر الدين وتدبير شؤونكم الصالحة ، فيكون كقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تمنّوا لقاء العدو ، وقيل المراد وإن تنتهوا عن التشاجر في أمر الغنيمة أو عن التفاخر بانتصاركم يوم بدر فهو خير لكم من وقوعه . وأما قوله { وإن تعودوا نعد } على هذا التفسير فهو إن تعودوا إلى طلب النصر نعد فننصركم أي لا يُنقص ذلك من عطائنا كما قال زهير @ سألنا فأعطيتكم وعدنا فعُدْتُم ومن أكثر التَسآل يوماً سيُحرم @@ يُعلّمهم الله صدق التوجه إليه ، ويكون موقع { ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً } زيادة تقرير لمضمون { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } وقوله { وإن تعودوا نعد } أي لا تعتمدوا إلاّ على نصر الله . فموقع قوله { ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً } بمنزلة التعليل لتعليق مجيء الفتح على أن { تستفتحوا } المشعر بأن النصر غير مضمون الحصول إلاّ إذا استنصروا بالله تعالى وجملَه { ولو كثرت } في موضع الحال ، و { لو } اتصالية ، وصاحب الحال متصف بضد مضمونها ، أي ولو كثرت فكيف وفئتكم قليلة ، وعلى هذا الوجه يكون في قوله { وأن الله مع المؤمنين } إظهار في مقام الإضمار ، لأن مقتضى الظاهر أن يقال وإن الله معكم ، فعدل إلى الاسم الظاهر للإيماء إلى أن سبب عناية الله بهم هو إيمانهم . فهذان تفسيران للآية والوجدان يكون كلاهما مراداً . والفتح حقيقته إزالة شيء مجعول حَاجزاً دون شيء آخر ، حفظاً له من الضياع أو الافتكاك والسرقة ، فالجدار حاجز ، والباب حاجز ، والسد حاجز ، والصندوق حاجز ، والعِدل تجعل فيه الثياب والمتاع حاجز ، فإذا أزيل الحاجز أو فرج فيه فرجة يسلك منها إلى المحجوز سميت تلك الإزالة فتحاً ، وذلك هو المعنى الحقيقي ، إذ هو المعنى الذي لا يخلو عن اعتباره جميع استعمال مادة الفتح وهو بهذا المعنى يستعار لإعطاء الشيء العزيز النوال استعارةً مفردةً أو تمثيلية وقد تقدم عند قوله تعالى { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء } الأنعام 44 وقوله تعالى { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات } الآية في سورة الأعراف 96 فالاستفتاح هنا طلب الفتح أي النصر ، والمعنى إن تستنصروا الله فقد جاءكم النصر . وكثر إطلاق الفتح على حلول قوم بأرض أو بلدِ غيرهم في حرب أو غارة ، وعلى النصر ، وعلى الحُكْم ، وعلى معان أُخر ، على وجه المجاز أو الكناية وقوله { وأن الله مع المؤمنين } وقرأه نافع ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم ، وأبو جعفر ، بفتح همزة { أن } على تقدير لام التعليل عطفاً على قوله { وأن الله موهن كيد الكافرين } الأنفال 18 وقرأه الباقون بكسر الهمزة ، فهو تذييل للآية في معنى التعليل ، لأن التذييل لما فيه من العموم يصلح لإفادة تعليل المذيّل ، لأنه بمنزلة المقدمة الكبرى للمقدمة الصغرى .