Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 39-40)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عطف على جملة { إن الذين كفروا ينفقون أموالَهم } الأنفال 36 الآية ، ويجوز أن تكون عطفاً على جملة { فقد مضتْ سنت الأولين } الأنفال 38 فتكون مما يدخل في حكم جَواب الشرط . والتقدير فإن يعودوا فقاتلوهم ، كقوله { وإن عدتم عدنا } الإسراء 8 وقوله - { وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله } التوبة 3 والضمير عائِد إلى مشركي مكة . والفتنة اضطراب أمر الناس ومَرَجهم ، وقد تقدم بيانها غير مرة ، منها عند قوله تعالى { إنما نحن فتنةٌ فلا تكفر } في سورة البقرة 102 وقوله { وحسبوا أن لا تكون فتنة } في سورة العقود71 . والمراد هنا أن لا تكون فتنة من المشركين لأنه لما جُعل انتفاء والفتنة غاية لقتالهم ، وكان قتالهم مقصوداً منه إعدامُهم أوْ إسلامهم ، وبأحَد هذين يكون انتفاء الفتنة ، فنتج من ذلك أن الفتنة المرادَ نفيُها كانت حاصلة منهم وهي فتنتهم المسلمين لا محالة ، لأنهم إنما يفتِنون مَن خالفهم في الدين فإذا أسلموا حصل انتفاء فتنتهم وإذا أعدمهم الله فكذلك . وهذه الآية دالة على ما ذهب إليه جمهور علماء الأمة من أن قتال المشركين واجب حتى يسلموا ، وأنهم لا تقبل منهم الجزية ، ولذلك قال الله تعالى هنا { حتى لا تكون فتنة } وقال في الآية الأخرى { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون } التوبة 29 . وهي أيضاً دالة على ما رآه المحققون من مؤرخينا من أن قتال المسلمين المشركين إنما كان أوله دفاعاً لأذى المشركين ضعفاء المسلمين ، والتضييقِ عليهم حيثما حلوا ، فتلك الفتنة التي أشار إليها القرآن ولذلك قال في الآية الأخرى { واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل } البقرة 191 . والتعريف في { الدين } للجنس وتقدم الكلام على نظيرها في سورة البقرة ، إلاّ أن هذه الآية زيد فيها اسم التأكيد وهو { كله } وذلك لأن هذه الآية أسبق نزولاً من آية البقرة فاحتيج فيها إلى تأكيد مفاد صيغة اختصاص جنس الدين بأنه لله تعالى ، لئلا يتوهم الاقتناع بإسلام غالب المشركين فلما تقرر معنى العموم وصار نصاً من هذه الآية عُدل عن إعادته في آية البقرة تطلباً للإيجاز . وقوله { فإن الله بما يعملون بصير } أي عليم كناية عن حسن مجازاته إياهم لأن القادر على نفع أوليائه ومطيعيه لا يحُول بينه وبين إِيصال النفع إليهم الإخفاء حال من يُخلص إليه ، فلما أخبروا بأن الله مطلع على انتهائهم عن الكفر إن انتهوا عنه وكان ذلك لا يظن خلافه علم أن المقصود لازم ذلك . وقرأ الجمهور { يعلمون } بياء الغائب وقرأه رُوَيْس عن يعقوب بتاء الخطاب . والتولي الإعراض وقد تقدم عند قوله تعالى { فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين } في سورة العقود92 . والمَوْلى الذي يتولى أمر غيره ويدفع عنه وفيه معنى النصر . والمعنى وإن تولوا عن هاته الدعوة فالله مغن لكم عن وَلائهم ، أي لا يضركم توليهم فقوله { أن الله مولاكم } يؤذن بجواب محذوف تقديره فلا تخافوا تَوليهم فإن الله مولاكم وهو يقدر لكم ما فيه نفعكم حتى لا تكون فتنة . وهذا كـ " قول النبي صلى الله عليه وسلم لمسيلمة الكذاب « ولئن توليتَ ليعْفِرنك الله » " وإنما الخسارة عليهم إذْ حُرِموا السلامة والكرامة . وافتتاح جملة جواب الشرط بـ { اعلموا } لقصد الاهتمام بهذا الخبر وتحقيقه ، أي لا تغفلوا عن ذلك ، كما مر آنفاً عند قوله تعالى { واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه } الأنفال 24 . وجملة { نعم المولى ونعم النصير } مستأنفة لأنها إنشاء ثناء على الله فكانت بمنزلة التذييل . وعطف على { نعم المولى } قوله { ونعم النصير } لما في المولى من معنى النصر كما تقدم وقد تقدم بيان عطف قوله تعالى { ونعم الوكيل } على قوله { حسبنا الله } سورة آل عمران 173