Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 50-51)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لمّا وُفِّيَ وصفُ حال المشركين حقَّه ، وفصّلت أحوال هزيمتهم ببدر ، وكيف أمكن الله منهم المسلمين ، على ضُعف هؤلاء وقوة أولئك ، بما شاهده كلّ حاضر حتّى ليوقن السامع أنّ ما نال المشركين يومئذ إنّما هو خذلان من الله إيّاهم ، وإيذان بأنّهم لاقون هلاكهم ما داموا مناوئين لله ورسوله ، انتُقِل إلى وصف ما لقيه من العذاب مَنْ قُتل منهم يوم بدر ، ممّا هو مغيب عن الناس ، ليعلم المؤمنون ويرتدع الكافرون ، والمراد بالذين كفروا هنا الذين قتلوا يوم بدر ، وتكون هذه الآية من تمام الخبر عن قوم بدر . ويجوز أن يكون المراد بالذين كفروا جميع الكافرين حملاً للموصول على معنى العموم فتكون الآية اعتراضاً مستطرداً في خلال القصّة بمناسبة وَصف ما لقيه المشركون في ذلك اليوم ، الذي عجّل لهم فيه عذاب الموت . وابتدىء الخبر بـ { ولو ترى } مخاطباً به غير معين ، ليعمّ كلّ مخاطب ، أي لو ترى أيّها السامع ، إذ ليس المقصود بهذا الخبر خصوص النبي صلى الله عليه وسلم حتّى يحمل الخطاب على ظاهره ، بل غير النبي أولى به منه ، لأن الله قادر أن يطلع نبيه على ذلك كما أراه الجنّة في عرض الحائط . ثمّ إن كان المراد بالذين كفروا مشركي يوم بدر ، وكان ذلك قد مضى يكن مقتضى الظاهر أن يقال ولو رأيت إذ تَوفَّى الذين كفروا الملائكة . فالإتيان بالمضارع في الموضعين مكانَ الماضي لقصد استحضار تلك الحالة العجيبة ، وهي حالة ضرب الوجوه والأدبار ، ليخيّل للسامع أنّه يشاهد تلك الحالة ، وإن كان المراد المشركين حيثما كانوا كان التعبير بالمضارع على مقتضى الظاهر . وجواب { لو } محذوف تقديره لرأيت أمراً عجيباً . وقرأ الجمهور يتوفّى بياء الغائب وقرأه ابن عامر تتوفّى بتاء التأنيث رعيا لصورة جمع الملائكة . والتوفِّي الإماتة سمّيت توفّياً لأنها تنهي حياة المرء أو تستوفيها { قل يتوفّاكم ملك الموت الذي وكل بكم } السجدة 11 وجملة { يضربون وجوههم وأدبارهم } في موضع الحال إن كان المراد من التوفّي قبض أرواح المشركين يوم بدر حين يقتلهم المسلمون ، أي يزيدهم الملائكة تعذيباً عند نزع أرواحهم ، وهي بدل اشتمال من جملة { يتوفّى } إن كان المراد بالتوفّي توفياً يتوفّاه الملائكة الكافرين . وجملة { وذوقوا عذاب الحريق } معطوفة على جملة { يضربون } بتقدير القول ، لأنّ هذه الجملة لا موقع لها مع التي قبلها ، إلاّ أن تكون من قول الملائكة ، أي ويقولون ذوقوا عذاب الحريق كقوله { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا } البقرة 127 ، وقوله { ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربّنا أبصرنا وسمعنا } السجدة 12 . وذكر الوجوه والأدبار للتعميم ، أي يضربون جميع أجسادهم . فالأدبار جمع دبر وهو ما دَبَر من الإنسان . ومنه قوله تعالى { سيهزم الجمع ويولون الدبر } القمر 45 . وكذلك الوجوه كناية عمّا أقبل من الإنسان ، وهذا كقول العرب ضربته الظهر والبطن ، كناية عمّا أقبل وما أدبر أي ضربته في جميع جسده . و « الذوق » مستعمل في مطلق الإحساس ، بعلاقة الإطلاق . وإضافة العذاب إلى الحريق من إضافة الجنس إلى نوعه ، لبيان النوع ، أي عذاباً هو الحريق ، فهي إضافة بيانية . و { الحريق } هو اضطرام النار ، والمراد به جهنّم ، فلعلّ الله عجّل بأرواح هؤلاء المشركين إلى النار قبل يوم الحساب ، فالأمر مستعمل في التكوين ، أي يذيقونهم ، أو مستعمل في التشفّي ، أو المراد بقول الملائكة { وذوقوا } إنذارهم بأنّهم سيذوقونه ، وإنّما يقع الذوق يوم القيامة ، فيكون الأمر مستعملاً في الإنذار كقوله تعالى { قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار } إبراهيم 30 بناء على أنّ التمتّع يؤذن بشيء سيحدث بعد التمتّع مضاد لما به التمتّع . واسم الإشارة { ذلك بما قدمت أيديكم } إلى ما يشاهدونه من العذاب ، وجيء بإشارة البعيد لتعظيم ما يشاهدونه من الأهوال . والجملة مستأنفة لقصد التنكيل والتشفّي . والباء للسببية ، وهي ، مع المجرور ، خبر عن اسم الإشارة . و « ما » في قوله { بما قدمت أيديكم } موصولة ، ومعنى { قدمت أيديكم } أسلفته من الأعمال فيما مضى ، أي من الشرك وفروعه من الفواحش . وذكر الأيدي استعارة مكنية بتشبيه الأعمال التي اقترفوها ، وهي ما صدقُ { ما قدمت } بما يجتنيه المجتني من الثمر ، أو يقبضه البائع من الأثمان ، تشبيه المعقول بالمحسوس ، وذكر رديف المشبه وهو الأيدي التي هي آلة الاكتساب ، أي بما قدّمته أيديكم لكم . وقوله { وأن الله ليس بظالم للعبيد } عطف على { ما قدمت أيديكم } والتقدير وبأنّ الله ليس بظلام للعبيد ، وهذا علّة ثانية لإيقاع تلك العقوبة عليهم ، فالعلة الأولى ، المفادة من باء السببية تعليل لإيقاع العقاب . والعلّة الثانية ، المفادة من العطف على الباء ومجرورها ، تعليل لصفة العذاب أي هو عذاب معادل لأعمالهم ، فمورد العلّتين شيء واحد لكن باختلاف الاعتبار . ونفي الظلم عن الله تعالى كناية عن عدله ، وأنّ الجزاء الأليم كَانَ كِفاء للعمل المجازَى عنه دون إفراط . وجعل صاحب « الكشّاف » التعليلين لشيء واحد ، وهو ذلك العذاب ، فجعلهما سببين لكفرهم ومعاصيهم ، وأنّ التعذيب من العَدل مثل الإثابة ، وهو بعيد ، لأنّ ترك الله المؤاخذة على الاعتداء على حقوقه إذا شاء ذلك ، ليس بظلم ، والموضوع هو العقاب على الإشراك والفواحش ، وأمّا الاعتداء على حقوق الناس فترك المؤاخذة به على تسليم أنّه ليس بعدل ، وقد يعوض المعتدى عليه بترضية من الله ، فلذلك كان ما في « الكشّاف » غير خال عن تعسف حمله عليه الإسراع لنصرة مذهب الاعتزال من استحالة العفو عن العصاة ، لأنّه مناف للعدل أو للحكمة . ونفي ظَلاَّم بصيغة المبالغة لا يفيد إثبات ظلم غير قوي لأنّ الصيغ لا مفاهيم لها ، وجرت عادة العلماء أن يجيبوا بأنّ المبالغة منصرفة إلى النفي كما جاء ذلك كثيراً في مثل هذا ، ويزاد هنا الجواب باحتمال أنّ الكثرة باعتبار تعلّق الظلم المنفي ، لو قدر ثبوته ، بالعبيد الكثيرين ، فعبّر بالمبالغة عن كثرة إعداد الظلم باعتبار تعدّد أفراد معموله . والتعريف باللام في { العبيد } عوض عن المضاف إليه ، أي لعبيدِهِ كقوله { فإن الجنة هي المأوى } النازعات 41 ويجوز أن يكون { العبيد } أطلق على ما يرادف الناس كما أطلق العباد في قوله تعالى { يا حسرة على العباد } في سورة يس 30