Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 58-58)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عطف حكم عام لمعاملة جميع الأقوام الخائنين بعد الحكم الخاصّ بقوم معينين الذين تلوح منهم بوارق الغدر والخيانة ، بحيث يبدو من أعمالهم ما فيه مخيلة بعدم وفائهم ، فأمَره الله أن يردّ إليهم عهدهم ، إذ لا فائدة فيه وإذ هم ينتفعون من مسالمة المؤمنين لهم ، ولا ينتفع المؤمنون من مسالمتهم عند الحاجة . والخوف توقع ضر من شيء ، وهو الخوف الحقّ المحمود . وأمّا تخيل الضرّ بدون أمارة فليس من الخوف وإنّما هو الهَوس والتوهّم . وخوف الخيانة ظهور بوارقها . وبلوغُ إضمارهم إيّاها ، بما يتّصل بالمسلمين من أخبار أولئك وما يأتي به تجسّس أحوالهم كقوله تعالى { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } البقرة 229 وقوله { فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة } النساء 3 . وقد تقدم عند قوله تعالى { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله } في سورة البقرة 229 . وقوم نكرة في سياق الشرط فتفيد العموم ، أي كلّ قوم تخاف منهم خيانة . والخيانة ضد الأمانة ، وهي هنا نقض العهد ، لأنّ الوفاء من الأمانة . وقد تقدّم معنى الخيانة عند قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول } في هذه السورة 27 . والنبذ الطرح وإلقاء الشيء . وقد مضى عند قوله تعالى { أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم } في سورة البقرة 100 . وإنّما رتّب نبذ العهد على خوف الخيانة ، دون وقوعها ، لأن شؤون المعاملات السياسية والحربية تجري على حسب الظنون ومخائل الأحوال ولا ينتظر تحقّق وقوع الأمر المظنون لأنّه إذا تريَّث وُلاة الأمور في ذلك يكونون قد عرضوا الأمة للخطر ، أو للتورّط في غفلة وضياع مصلحة ، ولا تُدار سياسة الأمّة بما يدار به القضاء في الحقوق ، لأنّ الحقوق إذا فاتت كانت بليّتها على واحد ، وأمكن تدارك فائتها . ومصالح الأمّة إذا فاتت تمكّن منها عدوّها ، فلذلك علّق نبذ العهد بتوقّع خيانة المعاهدين من الأعداء ، ومن أمثال العرب خُذ اللص قبل يَأخُذَك ، أي وقد علمت أنّه لص . و { على سواء } صفة لمصدر محذوف ، أي نبذاً على سواء ، أو حال من الضمير في انبذ أي حالة كونك على سواء . و { على } فيه للاستعلاء المجازي فهي تؤذن بأنّ مدخولها ممّا شأنه أن يعتلى عليه . و { سواء } وصف بمعنى مستو ، كما تقدم في قوله تعالى { سواء عليهم أأنذرتهم } في سورة البقرة 6 . وإنما يصلح للاستواء مع معنى على الطريق ، فعلم أن { سواء } وصف لموصوف محذوف يدلّ عليه وصفه ، كما في قوله تعالى { على ذات ألواح } القمر 13 ، أي سفينة ذات ألواح . وقوله النابغة @ كما لقيت ذاتُ الصَّفا من حليفها @@ أي الحية ذات الصفا . ووصف النبذ أو النابذ بأنّه على سواء ، تمثيل بحال الماشي على طريق جادّة لا التواء فيها ، فلا مخاتلة لصاحبها كقوله تعالى { فقل آذنتكم على سواء } الأنبياء 109 وهذا كما يقال ، في ضدّه هو يتبعُ بنيات الطريق ، أي يراوغ ويخاتل . والمعنى فانبذ إليهم نبذاً واضحاً علناً مكشوفاً . ومفَعول انبذ محذوف بقرينة ما تقدّم من قوله { ثم ينقضون عهدهم } الأنفال 56 وقوله { وإما تخافنّ من قوم خيانة } أي انبذ عهدهم . وعُدّي « انبِذْ » بـإلى لتضمينه معنى اردد إليهم عهدهم ، وقد فهم من ذلك لا يستمرّ على عهدهم لئلا يقع في كيدهم وأنّه لا يخونهم لأنّ أمره ينبذ عهده معهم ليستلزم أنّه لا يخونهم . وجملة { إن الله لا يحب الخائنين } تذييل لما اقتضته جملة { وإما تخافن من قوم خيانة } إلخ تصريحاً واستلزاماً . والمعنى لأنّ الله لا يحبّهم ، لأنّهم متّصفون بالخيانة فلا تستمرَّ على عهدهم فتكون معاهداً لمن لا يحبّهم الله ولأنّ الله لا يحبّ أن تكون أنت من الخائنين كما قال تعالى { ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خواناً أثيما } في سورة النساء 107 . وذكر القرطبي عن النحّاس أنّه قال هذا من معجز ما جاء في القرآن مما لا يوجد في الكلام مثله على اختصاره وكثرة معانيه . قلت وموقع إنّ فيه موقع التعليل للأمر برد عهدهم ونبذه إليهم فهي مغنية غناء فاء التفريع كما قال عبد القاهر ، وتقدّم في غير موضع وهذا من نكت الإعجاز .