Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 61-61)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

انتقال من بيان أحوال معاملة العدوّ في الحرب من وفائهم بالعهد ، وخيانتهم ، وكيف يحلّ المسلمون العهد معهم إن خافوا خيانتهم ، ومعاملتهم إذا ظفروا بالخائنين ، والأمر بالاستعداد لهم إلى بيان أحكام السلم إن طلبوا السلم والمهادنة ، وكفّوا عن حالة الحرب . فأمر الله المسلمين بأن لا يأنفوا من السلم وأن يوافقوا من سأله منهم . والجنوح المَيْل ، وهو مشتقّ من جناح الطائِر لأنّ الطائِر إذا أراد النزول مال بأحد جناحيه ، وهو جناح جانبه الذي ينزل منه ، قال النابغة يصف الطير تتبع الجيش @ جوانِحُ قد أيقنَّ أنّ قبيلَه إذا ما التقى الجمعان أوَّلُ غالب @@ فمعنى { وإن جنحوا للسلم } إن مالوا إلى السلم ميل القاصد إليه ، كما يميل الطائِر الجانح . وإنّما لم يقل وإن طلبوا السلم فأجبهم إليهم ، للتنبيه على أنّه لا يسعفهم إلى السلم حتى يعلم أن حالهم حال الراغب ، لأنّهم قد يظهرون الميل إلى السلم كيداً ، فهذا مقابل قوله { وإمّا تخافنّ من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء } الأنفال 58 فإن نبذ العهد نبذ لحال السلم . واللام في قوله { للسلم } واقعة موقع إلى لتقوية التنبيه على أنّ ميلهم إلى السلم ميل حق ، أي وإن مالوا لأجل السلم ورغبة فيه لا لغرض آخر غيره ، لأنّ حقّ { جَنح } أن يعدّى بـإلى لأنّه بمعنى مال الذي يعدّى بإلى فلا تكون تعديته باللام إلاّ لغرض ، وفي « الكشّاف » أنّه يقال جنح له وإليه . والسلم بفتح السين وكسرها ضدّ الحرب . وقرأه الجمهور بالفتح ـ ، وقرأه حمزة ، وأبو بكر عن عاصم ، وخلَف بكسر السين وحقّ لفظه التذكير ، ولكنّه يؤنّث حملاً على ضدّه الحرب وقد ورد مؤنّثاً في كلامهم كثيراً . والأمر بالتوكّل على الله ، بعد الأمر بالجنوح إلى السلم ، ليكون النبي صلى الله عليه وسلم معتمداً في جميع شأنه على الله تعالى ، ومفوّضاً إليه تسيير أموره ، لتكون مدّة السلم مدّة تقوّ واستعداد ، وليكفيه الله شرّ عدوّه إذا نقضوا العهد ، ولذلك عُقب الأمر بالتوكّل بتذكيره بأنّ الله السميع العليم ، أي السميع لكلامهم في العهد ، العليمُ بضمائرهم ، فهو يعاملهم على ما يعلم منهم . وقوله { فاجنح لها } جيء بفعل { اجنح } لمشاكلة قوله { جنحوا … } . وطريق القصر في قوله { هو السميع العليم } أفاد قصر معنى الكمال في السمع والعلم ، أي فهو سميع منهم ما لا تسمع ويعلم ما لا تعلم . وقصر هذين الوصفين بهذا المعنى على الله تعالى عقب الأمر بالتوكل عليه يفضي إلى الأمر بقصر التوكّل عليه لا على غيره . وفي الجمع بين الأمر بقصر التوكل عليه وبين الأمر بإعداد ما استطاع من القوة للعدوّ دليل بَيِّن على أنّ التوكّل أمر غير تعاطي أسباب الأشياء ، فتعاطي الأسباب فيما هو من مقدور الناس ، والتوكّل فيما يخرج عن ذلك . واعلم أنّ ضمير جمع الغائبين في قوله { وإن جنحوا للسلم } وقع في هذه الآية عقب ذكر طوائف في الآيات قبلَها ، منهم مشركون في قوله تعالى { وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم } الأنفال 48 ، ومنهم من قيل إنّهم من أهل الكتاب ، ومنهم من تردّدت فيهم أقوال المفسّرين قيل هم من أهل الكتاب ، وقيل هم من المشركين ، وذلك قوله { إن شر الدوآب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون الذين عاهدت منهم } الأنفال 55 ، 56 الآية . قيل هم قريظة والنضير وبنو قينقاع ، وقيل هم من المشركين ، فاحتمل أن يكون ضمير { جنحوا } عائداً إلى المشركين . أو عائداً إلى أهل الكتاب ، أو عائداً إلى الفريقين كليهما . فقيل عاد ضمير الغيبة في قوله { وإن جنحوا للسلم } إلى المشركين ، قاله قتادة ، وعكرمة ، والحسن ، وجابر بن زيد ، ورواه عطاء عن ابن عبّاس ، وقيل عاد إلى أهل الكتاب ، قاله مجاهد . فالذين قالوا إنّ الضمير عائِد إلى المشركين ، قالوا كان هذا في أوّل الأمر حين قلّة المسلمين ، ثم نسخ بآية سورة براءة 5 { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } الآية . ومن قالوا الضمير عائد إلى أهل الكتاب قالوا هذا حكم باق ، والجنوح إلى السلم إمّا بإعطاء الجزية أو بالموادعة . والوجه أن يعود الضمير إلى صنفي الكفار من مشركين وأهل الكتاب ، إذ وقع قبله ذكر الذين كفروا في قوله { إن شر الدواب عند الله الذين كفروا } الأنفال 55 فالمشركون من العرب لا يقبل منهم إلاّ الإسلام بعد نزول آية براءة ، فهي مخصّصة العمومَ الذي في ضمير { جنحوا } أو مبيّنة إجمالَه ، وليست من النسخ في شيء . قال أبو بكر بن العربي « أما من قال إنها منسوخة بقوله { فاقتلوا المشركين } التوبة 5 فدعوى ، فإنّ شروط النسخ معدومة فيها كما بيّنّاه في موضعه » . وهؤلاء قد انقضى أمرهم . وأمّا المشركون من غيرهم ، والمجوس ، وأهل الكتاب ، فيجري أمر المهادنة معهم على حسب حال قوّة المسلمين ومصالحهم وأنّ الجمع بين الآيتين أوْلى فإن دَعَوا إلى السلم قبل منهم ، إذا كان فيه مصلحة للمسلمين . قال ابن العربي فإذا كان المسلمون في قوّة ومنعة وعدّة @ فلاَ صلح حتى تُطعَن الخيل بالقنا وتضربَ بالبيض الرقاقِ الجماجمُ @@ وإن كان للمسلمين مصلحة في الصلح لانتفاع يجلب به أو ضرّ يندفع بسببه فلا بأس أن يبتدىء المسلمون به إذا احتاجوا إليه ، وأن يجيبوا إذا دُعوا إليه . قد صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهلَ خيبر ، ووادع الضمري ، وصالح أكيد رَدُومة ، وأهلَ نجران ، وهادن قريشاً لعشرة أعوام حتى نَقضوا عهده » . أمّا ما همّ به النبي صلى الله عليه وسلم من مصالحة عُيَينة بن حصن ، ومن معه ، على أن يعطيهم نصف ثِمار المدينة فذلك قدْ عدَل عنه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قال سعد بن عبادة ، وسعد بن مُعاذ ، في جماعةِ الأنصار لا نعطيهم إلاّ السيف . فهذا الأمر بقبول المهادنة من المشركين اقتضاه حال المسلمين وحاجتهم إلى استجمام أمورهم وتجديد قوتهم ، ثم نسخ ذلك ، بالأمر بقتالهم المشركين حتى يؤمنوا ، في آيات السيف . قال قتادة وعِكرمة نَسختْ براءة كلّ مواعدة وبقي حكم التخيير بالنسبة لمن عدا مشركي العرب على حسب مصلحة المسلمين .