Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 69-69)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الفاء تؤذن بتفريع هذا الكلام على ما قبله . وفي هذا التفريع وجهان أحدهما الذي جرى عليه كلام المفسّرين أنّه تفريع على قوله { لولا كتاب من الله سبق } الأنفال 68 إلخ … أي لولا ما سبق من حلّ الغنائم لكم لمسّكم عذاب عظيم ، وإذ قد سبق الحلّ فلا تبعة عليكم في الانتفاع بمال الفداء . وقد روي أنّه لمّا نزل قوله تعالى { ما كان لنبي أن يكون له أسرى } الأنفال 67 الآية ، أمسكوا عن الانتفاع بمال الفداء ، فنزل قوله تعالى { فكلوا مما غنمتم حلالاً طيبا } وعلى هذا الوجه قد سمّي مال الفداء غنيمة تسمية بالاسم اللغوي دون الاسم الشرعي لأنّ الغنيمة في اصطلاح الشرع هي ما افتكّه المسلمون من مال العدوّ بالإيجاف عليهم . والوجه الثاني يظهر لي أنّ التفريع ناشىء على التحذير من العود إلى مثل ذلك في المستقبل ، وأنّ المعنى فاكتفوا بما تغنمونه ولا تفادوا الأسرى إلى أن تثخنوا في الأرض . وهذا هو المناسب لإطلاق اسم الغنيمة هنا إذ لا ينبغي صرفه عن معناه الشرعي . ولمّا تضمّن قوله { لولا كتاب من الله سبق } الأنفال 68 امتناناً عليهم بأنّه صرف عنهم بأس العدوّ ، فرّع على الامتنان الإذن لهم بأن ينتفعوا بمال الفداء في مصالحهم ، ويتوسّعوا به في نفقاتهم ، دون نكد ولا غصّة ، فإنّهم استغنوا به مع الأمن من ضرّ العدوّ بفضل الله . فتلك نعمة لم يشُبها أذى . وعبّر عن الانتفاع الهنيء بالأكل لأنّ الأكل أقوى كيفيّات الانتفاع بالشيء ، فإنّ الآكِل ينعم بلذاذة المأكول وبدَفْع ألم الجوع عن نفسه ودفع الألم لذاذة ويكسبه الأكلُ قوة وصحّة والصحة مع القوّة لذاذة أيضاً ـ . والأمر في { كلوا } مستعمل في المنّة ولا يحمل على الإباحة هنا لأنّ إباحة المغانم مقرّرة من قبله يوم بدر ، وليكون قوله { حلالاً } حالاً مؤسّسة لا مؤكّدة لمعنى الإباحة . و { غنمتم } بمعنى فاديتم لأنّ الفداء عوض عن الأسرى والأسرى من المغانم . والطيب النفيس في نوعه ، أي حلالاً من خير الحلال . وذُيّل ذلك بالأمر بالتقوى لأنّ التقوى شكر الله على ما أنعم من دفع العذاب عنهم . وجملة { إن الله غفور رحيم } تعليل للأمر بالتقوى ، وتنبيه على أنّ التقوى شكر على النعمة ، فحرف التأكيد للاهتمام ، وهو مغن غَناء فاء التفريع ، كقول بشار @ إنّ ذاك النجاح في التبكير @@ وقد تقدّم ذكره غير مرة . وهذه القضية إحدى قضايا جاء فيها القرآن مؤيّداً لرأي عمر بن الخطاب . فقد روى مسلمٌ عن عمر ، قال « وافقتُ ربّي في ثلاث في مقام إبراهيم ، وفي الحجاب ، وفي أسارى بدر » .