Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 80, Ayat: 23-23)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تفسير هذه الآية معضل وكلمات المفسرين والمتأوِلين فيها بعضها جَافَّ المَنال ، وبعضها جافٍ عن الاستعمال . ذلك أن المعروف في { كلاَّ } أنه حرف ردع وزجر عن كلام سابق أو لاحق ، وليس فيما تضمنه ما سبقها ولا فيما بعدها ما ظاهره أن يُزجر عنه ولا أن يُبطل ، فتعين المصير إلى تأويل مورد { كَلاَّ } . فأما الذين التزموا أن يكون حرف { كَلاَّ } للردع والزجر وهم الخليل وسيبويه وجمهور نحاة البصرة ويجيزون الوقف عليها كما يجيزون الابتداء بها ، فقد تأولوا هذه الآية وما أشبهها بتوجيه الإِنكار إلى ما يُومىء إليه الكلام السابق أو اللاحق دون صريحه ولا مضمونه . فمنهم من يجعل الردع متوجهاً إلى ما قبل { كَلاَّ } ممّا يومىء إليه قوله تعالى { ثم إذا شاء أنشره } عبس 22 ، أي إذا شاء الله ، إذ يومىء إلى أن الكافر ينكر أن ينشره الله ويعتلَّ بأنه لم ينشر أحداً منذ القدم إلى الآن . وهذا الوجه هو الجاري على قول البصريين كما تقدم . وموقع { كَلاَّ } على هذا التأويل موقع الجواب بالإِبطال ، وموقع جملة { لما يقض ما أمره } موقع العلة للإِبطال ، أي لو قَضَى ما أمره الله به لعِلم بطلان زعمه أنه لا ينشر . وتأوله في « الكشاف » بأنه « ردْع للإِنسان عما هو عليه » أي مِمَّا ذكر قبله من شدة كفره واسترساله عليه دون إقلاع ، يريد أنه زجر عن مضمون { ما أكفره } عبس 17 . ومنهم من يجعل الردع متوجهاً إلى ما بعد { كلاّ } مما يومىء إليه قوله تعالى { لما يقض ما أمره } أي ليس الأمر كما يقول هذا الإِنسان الكافر من أنه قد أدى حق الله الذي نبهه إليه بدعوة الرسل وبإيداع قوة التفكير فيه ، ويُتسروح هذا من كلام روي عن مجاهد ، وهو أقرب لأن ما بعد { كَلاَّ } لما كان نفياً ناسب أن يُجعل { كلاّ } تمهيداً للنفي . وموقع { كلاّ } على هذا الوجه أنها جزء من استئناف . وموقع جملة { لما يقض ما أمره } استئناف بياني نشأ عن مضمون جملة { من أي شيء خلقه } عبس 18 إلى قوله { أنشره } عبس 22 ، أي إنما لم يَهتد الكافرُ إلى دلالة الخلق الأول على إمكانِ الخلق الثاني ، لأنه لم يقض حق النظر الذي أمره الله . وأما الذين لم يلتزموا معنى الزجر في { كلاّ } وهم الكسائي القائل تكون { كلاّ } بمعنى حقاً ، ووافقه ثعلب وأبو حاتم السجستاني القائل تكون { كلا } بمعنى ألاّ الاستفتاحية . والنضر بن شميل والفرّاء القائلان تكون { كلاّ } حَرفَ جواب بمعنى نعم . فهؤلاء تأويل الكلام على رأيهم ظاهر . وعن الفراء { كلاّ } تكون صلة أي حرفاً زائداً للتأكيد كقولك كلاَّ ورب الكعبة ا هــــ . وهذا وجه إليه ولا يتأتى في هذه الآية . فالوجه في موقع { كلاّ } هنا أنه يجوز أن تكون زجراً عما يفهم من قوله { ثم إذا شاء أنشره } عبس 22 المكنى به عن فساد استدلالهم بتأخيره على أنه لا يقع فيكون الكلام على هذا تأكيداً للإِبطال الذي في قوله { كلا إنها تذكرة } عبس 11 باعتبار معناه الكنائي إن كان صريح معناه غيرَ باطل فقوله { إذا شاء } مؤذن بأنه الآن لم يشأ وذلك مؤذن بإبطال أن يقع البعث عندما يسألون وقوعه ، أي أنا لا نشاء إنشارهم الآن وإنما ننشرهم عندما نشاء ممّا قدرنا أجله عند خلق العالم الأرضي . وتكون جملة { لما يقض ما أمره } تعليلاً للردع ، أي الإنسان لم يستتم ما أجل الله لبقاء نوعه في هذا العالم من يوم تكوينه فلذلك لا ينشر الآن ، ويكون المراد بالأمر في قوله { ما أمره } أمر التكوين ، أي لم يستتم ما صدر به أمر تكوينه حين قيل لآدم { ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين } البقرة 36 . ويجوز أن يكون زجراً عما أفاده قوله { لما يقضِ ما أمره } وقدمت { كلاّ } في صدر الكلام الواردة لإبطاله للاهتمام بمبادرة الزجر . وتقدم الكلام في { كلاّ } في سورة مريم وأحَلْتُ هنالك على ما هنا . و { لَمَّا } حرف نفي يدل على نفي الفعل في الماضي مثل لَمْ ويزيد بالدلالة على استمرار النفي إلى وقت التكلم كقوله تعالى { ولما يَدخل الإيمان في قلوبكم } الحجرات 14 . والمقصود أنه مستمر على عدم قضاء ما أمره الله مِما دعاه إليه . والقضاء فعل ما يجب على الإنسان كاملاً لأن أصل القضاء مشتق من الإتمام فتضمن فعلاً تاماً ، أي لم يزل الإنسان الكافر معرضاً عن الإيمان الذي أمره الله به ، وعن النظر في خلقه من نطفة ثم تطوره أطواراً إلى الموت قال تعالى { فلينظر الإنسان مما خلق } الطارق 5 ، وما أمره من التدَبر في القرآن ودلائله ومن إعمال عقله في الاستدلال على وحدانية الله تعالى ونفي الشريك عنه . ومن الدلائل نظره في كيفية خلقه فإنها دلائل قائمة بذاته فاستحق الردع والزجر . والضمير المستتر في { أمره } عائد إلى ما عادت إليه الضمائر المستترة في خلقه ، وقدره ، ويسره ، وأماته ، وأقبره ، وأنشره .