Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 89, Ayat: 21-26)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ كَلاَّ } . زجر وردع عن الأعمال المعدودة قبله ، وهي عدم إكرامهم اليتيم وعدم حضهم على طعام المسكين ، وأكلُهم التراث الذي هو مالُ غير آكله ، وعن حب المال حبّاً جمّاً . { إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً * وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ * يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } . استئناف ابتدائي انْتُقل به من تهديدهم بعذاب الدنيا الذي في قوله { ألم تر كيف فعل ربك بعاد } الفجر 6 الآيات إلى الوعيد بعذاب الآخرة . فإن استخفوا بما حلّ بالأمم قبلهم أو أمهلوا فأخر عنهم العذاب في الدنيا فإن عذاباً لا محيص لهم عنه ينتظرهم يوم القيامة حين يتذكّرون قَسْراً فلا ينفعهم التذكر ، ويندمون ولات ساعةَ مندم . فحاصل الكلام السابق أن الإِنسان الكافر مغرور يَنُوط الحوادث بغير أسبابها ، ويتوهمها على غير ما بها ولا يُصغي إلى دعوة الرسل فيستمر طولَ حياته في عَماية ، وقد زجروا عن ذلك زجراً مؤكداً . وأَتبع زجرهم إنذاراً بأنهم يحين لهم يوم يُفيقون فيه من غفلتهم حين لا تنفع الإِفاقة . والمقصود من هذا الكلام هو قوله { فيومئذٍ لا يعذب عذابه أحد } ، وقوله { يا أيتها النفس المطمئنة } الفجر 27 ، وأما ما سبق من قوله { إذا دكت الأرض } إلى قوله { وجيء يومئذٍ بجهنم } فهو توطئة وتشويق لسماع ما يجيء بعده وتهويل لشأن ذلك اليوم وهو الوقت الذي عُرِّف بإضافة جملة { دكت الأرض } وما بعدها من الجمل وقد عرف بأشراط حلوله وبما يقع فيه من هول العقاب . والدّك الحَطْم والكسر . والمراد بالأرض الكُرَة التي عليها الناس ، ودكّها حطمها وتفرق أجزائها الناشىءُ عن فساد الكون الكائنة عليه الآن ، وذلك بما يحدثه الله فيها من زلازل كما في قوله { إذا زلزلت الأرض زلزالها } الزلزلة 1 الآية . و { دكاً دكاً } يجوز أن يكون أولهما منصوباً على المفعول المطلق المؤكِّد لفعله . ولعل تأكيده هنا لأن هذه الآية أول آية ذكر فيها دَكُّ الجبال ، وإذ قد كان أمراً خارقاً للعادة كان المقام مقتضياً تحقيق وقوعه حقيقةً دون مجاز ولا مبالغة ، فأكد مرتين هنا ولم يؤكد نظيره في قوله { فدُكّتَا دَكَّةً واحدة } في سورة الحاقة 14 فــــ { دكّا } الأول مقصود به رفع احتمال المجاز عن « دُكّتا » الدك أي هو دَكّ حقيقي ، و { دَكا } الثاني منصوباً على التوكيد اللفظي لدكا الأول لزيادة تحقيق إرادة مدلول الدك الحقيقي لأن دك الأرض العظيمة أمر عجيب فلغرابته اقتضى إثباتُه زيادة تحقيق لمعناه الحقيقي . وعلى هذا درج الرضي قال ويستثنى من منع تأكيد النكرات أي تأكيداً لفظياً شيء واحد وهو جواز تأكيدها إذا كانت النكرة حكماً لا محكوماً عليه كقوله صلى الله عليه وسلم " فنكاحها باطل باطل باطل " . ومثله قوله تعالى { دُكَّت الأرض دكاً دكاً } فهو مثل ضَرَبَ ضَرَب زيدٌ ا هــــ . وهذا يلائم ما في وصف دكّ الأرض في سورة الحاقة بقوله تعالى { وحُملت الأرض والجبال فدُكَّتَا دَكَّة واحدة } الحاقة 14 ودفع المنافاة بين هذا وبين ما في سورة الحاقة . ويجوز أن يكون مجموع المصدرين في تأويل مفرد منصوب على المفعول المطلق المبيِّن للنوع . وتأويله . أنه دكّ يعقُب بعضه بعضاً كما تقول قرأت الكتاب باباً باباً وبهذا المعنى فسّر صاحب « الكشاف » وجمهور المفسرين من بعده . وبعض المفسرين سكت عن بيانه قال الطيبي « قال ابن الحاجب لعلّه قالَه في « أماليه على المقدمة الكافية » وفي نسختي منها نقص ولا أعرف غيرها بتونس ولا يوجد هذا الكلام في « إيضاح المفصل » بينت له حسابه باباً باباً ، أي مفصلاً . والعرب تكرر الشيء مرتين » فتستوعب تفصيل جنسه باعتبار المعنى الذي دلّ عليه لفظُ المكرّر ، فإذا قلت بَيَّنْت له الكتاب باباً باباً فمعناه بينته له مفصلاً باعتبار أبوابه اهــــ . قلت هذا الوجه أوفى بحق البلاغة فإنه معنى زائد على التوكيد والتوكيد حاصل بالمصدر الأول . وفي « تفسير الفخر » وقيل فبُسِطَتَا بسطةً واحدة فصارتا أرضاً لا ترى فيها أمتاً وتبعه البيضاوي يعني أن الدك كناية عن التسوية لأن التسوية من لوازم الدك ، أي صارت الجبال مع الأرض مستويات لم يبق فيها نتوء . ولك أن تجعل صفة واحدة مجازاً في تفرد الدكة بالشدة التي لا ثاني مثلها ، أي دكة لا نظير لها بين الدكات في الشدة من باب قولهم هو وحيد قومه ، ووحيد دهره ، فلا يعارض قوله { دكاً دكاً } بهذا التفسير . وفيه تكلف إذ لم يسمع بصيغةِ فَاعل فلم يسمع هو واحد قومه . وأما قوله تعالى { والملك صفّاً صفّاً } فــــ { صفّاً } الأول حال من { الملَك } . و { صَفّاً } الثاني لم يختلف المفسرون في أنه من التكرير المراد به الترتيب والتصنيف ، أي صفّاً بعد صفِّ ، أو خَلْفَ صفّ ، أو صنفاً من الملائكة دون صنف ، قيل ملائكة كل سَماء يكونون صفّاً حول الأرض على حدة . قال الرضي وأما تكرير المنكَّر في قولك ، قرأت الكتاب سورةً سورةً ، وقوله تعالى { وجاء ربك والملك صفاً صفاً } فليس في الحقيقة تأكيداً إذ ليس الثاني لتقرير ما سبق بل هو لتكرير المعنى لأن الثاني غير الأول معنى . والمعنى جميع السور وصفوفاً مختلفة ا هــــ . وشذّ من المفسرين من سكت عنه . ولا يحتمل حمله على أنه مفعول مطلق مؤكد لعامله إذ لا معنى للتأكيد . وإسناد المجيء إلى الله إما مجاز عقلي ، أي جاء قضاؤه ، وإما استعارة بتشبيه ابتداء حسابه بالمجيء . وأما إسناده إلى الملَك فإما حقيقةٌ ، أو على معنى الحضور وأيًّا مَّا كان فاستعمال جاء من استعمال اللفظ في مجازه وحقيقته ، أو في مَجَازَيْه . و { الملَك } اسم جنس وتعريفه تعريف الجنس فيرادفه الاستغراق ، أي والملائكة . والصف مصدر صَفَّ الأشْياءَ إذا جعل الواحد حذو الآخر ، ويطلق على الأشياء المصفوفة ومنه قوله تعالى { إن اللَّه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً } الصف 4 وقوله { فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفاً } في سورة طه 64 . واستعمال { وجيء يومئذ بجهنم } كاستعمال مَجيء الملك ، أي أحضرت جهنم وفتحت أبوابها فكأنها جاءَ بها جاء والمعنى أظهرت لهم جهنم قال تعالى { حتى إذا جاؤوها فُتحت أبوابها } الزمر 71 وقال { وبرزت الجحيم لمن يرى } النازعات 36 وورد في حديث مسلم عن ابن مسعود يرفعه " أن لجهنم سبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها " وهو تفسير لمعنى { وجيء يومئذ بجهنم } . وأمور الآخرة من خوارق العادات . وإنما اقتصر على ذكر جهنم لأن المقصود في هذه السورة وعيد الذين لم يتذكروا وإلا فإن الجنة أيضاً مُحضرة يومئذ قال تعالى { وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين } الشعراء 90 ـــ 91 . و { يومئذ } الأول متعلق بفعل { جيء } . والتقدير وجيء يوم تُدَكّ الأرض دَكّاً دكّاً إلى آخره . و { يومئذ } الثاني بدل من { إذا دُكّت الأرض } والمعنى يوم تدكّ الأرض دكاً إلى آخره يتذكر الإِنسان . والعامل في البدل والمبدل منه معاً فعل { يتذكر } . وتقديمه للاهتمام مع ما في الإطناب من التشويق ليحصل الإِجمال ثم التفصيل مع حسن إعادة ما هو بمعنى { إذا } لزيادة الربط لطول الفصل بالجمل التي أضيف إليها { إذا } . و { الإِنسان } هو الإِنسان الكافر ، وهو الذي تقدم ذكره في قوله تعالى { فأما الإِنسان إذا ما ابتلاه ربه } الفجر 15 الآية فهو إظهار في مقام الإِضمار لبعد مَعاد الضمير . وجملة { وأنَّى له الذكرى } معترضة بين جملة { يتذكر الإنسان } وجملة { يقول } الخ . و { أنّى } اسم استفهام بمعنى أين له الذكرى ، وهو استفهام مستعمل في الإِنكار والنفي ، والكلامُ على حذف مضاف ، والتقدير وأين له نَفْع الذكرى . وجملة { يقول يا ليتني } الخ يجوز أن يكون قولاً باللسان تحسراً وتندماً فتكون الجملة حالاً من { الإنسان } أو بدل اشتمال من جملة { يتذكر } فإن تذكره مشتمل على تحسر وندامة . ويجوز أن يكون قوله في نفسه فتكون الجملة بياناً لجملة { يتذكر } . ومفعول { قَدَّمْتُ } محذوف للإِيجاز . واللام في قوله { لحياتي } تحتمل معنى التوقيت ، أي قدمت عند أزمان حياتي فيكون المراد الحياة الأولى التي قبل الموت . وتحتمل أن يكون اللام للعلة ، أي قدمت الأعمال الصالحة لأجل أن أحيا في هذه الدار . والمراد الحياة الكاملة السالمة من العذاب لأن حياتهم في العذاب حياةُ غشاوة وغياب قال تعالى { ثم لا يموت فيها ولا يحيى } الأعلى 13 . وحرف النداء في قوله { يا ليتني } للتنبيه اهتماماً بهذا التمني في يوم وقوع . والفاء في قوله { فيومئذٍ لا يعذب عذابه أحد } رابطة لجملة { لا يعذب } الخ بجملة { دكت الأرض } لما في { إذا } من معنى الشرط . والعذاب اسم مصدر عذّب . والوثاق اسم مصدر أوثق . وقرأ الجمهور { يعذِّب } بكسر الذال { ويوثق } بكسر الثاء على أن { أحدٌ } في الموضعين فاعل { يعذِب ، ويوثِق } . وأن عذابه من إضافة المصدر إلى مفعوله فضمير { عذابه } عائد إلى الإنسان في قوله { يتذكر الإنسان } وهو مفعول مطلق مبيّن للنوع على معنى التشبيه البليغ ، أي عذاباً مثل عذابه ، وانتفاء المماثلة في الشدة ، أي يعذب عذاباً هو أشد عذاب يعذبه العصاة ، أي عذاباً لا نظير له في أصناف عذاب المعذّبين على معنى قوله تعالى { فإني أعذِّبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين } المائدة 115 والمراد في شدته . وهذا بالنسبة لبني الإنسان ، وأما عذاب الشياطين فهو أشدُّ لأنهم أشد كفراً و { أحَدٌ } يستعمل في النفي لاستغراق جنس الإنسان فأحَدٌ في سياق النفي يعمّ كل أحد قال تعالى { يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ للَّه } الانفطار 19 فانحصر الأحد المعذِّب بكسر الذال في فرد وهو الله تعالى . وقرأه الكسائي ويعقوب بفتح ذال { يعذَّب } وفتح ثاء { يوثق } مبنيين للنائب . وعن أبي قلابة قال « حدثني من أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ { يعذَّب } و { يوثَق } بفتح الذال وفتح الثاء » . قال الطبري وإسناده واهٍ وأقول أغنى عن تصحيح إسناده تواترُ القراءة به في بعض الروايات العشر وكلها متواتر . والمعنى لا يعذَّب أحدٌ مثلَ عذاب مَا يعذَّب به ذلك الإنسان المتحسر يومئذ ، ولا يوثَق أحدٌ مثلَ وَثاقه ، فــــ { أحد } هنا بمنزلة « أحداً » في قوله تعالى { فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين } المائدة 115 . والوَثاق بفتح الواو اسم مصدر أوثق وهو الربْط ويجعل للأسير والمقُود إلى القتل . فيجعل لأهل النار وثاق يساقون به إلى النار قال تعالى { إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم } غافر 71 ، 72 الآية . وانتصاب { وَثاقه } كانتصاب { عذابه } على المفعولية المطلقة لمعنى التشبيه .