Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 106-106)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا فريق آخر عطف خبره على خبر الفرق الآخرين . والمراد بهؤلاء من بقي من المخلَّفين لم يتب الله عليه ، وكان أمرهم موقوفاً إلى أن يقضي الله بما يشاء . وهؤلاء نفر ثلاثة ، هم كعب بن مالك ، وهِلال ابن أمية ، ومُرارة بن الربيع ، وثلاثتهم قد تخلفوا عن غزوة تبوك . ولم يكن تخلفهم نفاقاً ولا كراهية للجهاد ولكنهم شُغلوا عند خروج الجيش وهم يحسبون أنهم يلحقونه وانقضت الأيام وأيسوا من اللحاق . وسأل عنهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو في تبوك . فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم أتوه وصَدَقوه ، فلم يكلمهم ، ونهى المسلمين عن كلامهم ومخالطتهم ، وأمرهم باعتزال نسائهم ، فامتثلوا وبقُوا كذلك خمسين ليلة ، فهم في تلك المدة مُرْجَون لأمر الله . وفي تلك المدة نزلت هذه الآية { ثم تاب الله عليهم } المائدة 71 . وأنزل فيهم قوله لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار إلى قوله { وكونوا مع الصادقين } التوبة 117 ـــ 119 . وعن كعب بن مالك في قصته هذه حديث طويل أغر في « صحيح البخاري » . على التوبة والتنبيه إلى فتح بابها . وقد جوز المفسرون عود ضمير { ألم يعلموا } التوبة 104 إلى الفريقين اللذين أشرنا إليهما . وقوله { هو يقبل التوبة } التوبة 104 هو ضمير فصل مفيد لتأكيد الخبر . و { عن عباده } التوبة 104 متعلقة بـــ { يقبل } لتضمنه معنى يتجاوز ، إشارة إلى أن قبول التوبة هو التجاوز عن المعاصي المتوب منها . فكأنه قيل يقبل التوبة ويتجاوز عن عباده . وكان حق تعدية فعل يقبل أن يكون بحرف من . ونقل الفخر عن القاضي عبد الجبار أنه قال لعل عن أبلغ لأنه ينبىء عن القبول مع تسهيل سبيله إلى التوبة التي قبلت . ولم يبين وجه ذلك ، وأحسب أنه يريد ما أشرنا إليه من تضمين معنى التجاوز . وجيء بالخبر في صورة كلية لأن المقصود تعميم الخطاب ، فالمراد بِـــ { عباده } جميع الناس مؤمنهم وكافرهم لأن التوبة من الكفر هي الإيمان . والآية دليل على قبول التوبة قطعاً إذا كانت توبة صحيحة لأن الله أخبر بذلك في غير ما آية . وهذا متفق عليه بالنسبة لتوبة الكافر عن كفره لأن الأدلة بلغت مبلغ التواتر بالقول والعمل . ومختلفٌ فيه بالنسبة لتوبة المؤمن من المعاصي لأن أدلته لا تعدو أن تكون دلالة ظواهر فقال المحققون من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين . مقبولة قطعاً . ونقل عن الأشعري وهو قول المعتزلة واختاره ابن عطية وأبوه وهو الحق . وادعى الإمام في « المعالم » الإجماعَ عليه وهي أولى بالقبول . وقال الباقلاني وإمام الحرمين والمازري إنما يقطع بقبول توبة طائفة غير معينة ، يعنون لأن أدلة قبول جنس التوبة على الجملة متكاثرة متواترة بلغت مبلغ القطع ولا يقطع بقبول توبة تائب بخصوصه . وكأنَّ خلاف هؤلاء يرجع إلى عدم القطع بأن التائب المعين تاب توبة نصوحاً . وفي هذا نظر لأن الخلاف في توبة مستوفيةٍ أركانها وشروطها . وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة } الآية في سورة النساء 17 . والأخذ في قوله { ويأخذ الصدقات } التوبة 104 مستعمل في معنى القبول ، لظهور أن الله لا يأخذ الصدقة أخذاً حقيقياً ، فهو مستعار للقبول والجزاء على الصدقة . وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم وأبو جعفر وخلف { مرجَوْن } بسكون الواو بدون همز على أنه اسم مفعول من أرجَاه بالألف ، وهو مخفف أرجأه بالهمز إذا أخره ، فيقال في مضارعه المخفف أرجيته بالياء ، كقوله { تُرجي من تشاء منهن } الأحزاب 51 بالياء ، فأصل مُرجَون مُرْجَيُون . وقرأ البقية { مُرجَئُون } بهمز بعد الجيم على أصل الفعل كما قرىء { ترْجيءُ من تشاء } الأحزاب 51 . واللام في قوله { لأمر الله } للتعليل ، أي مؤخرون لأجل أمر الله في شأنهم . وفيه حذف مضاف ، تقديره لأجل انتظار أمر الله في شأنهم لأن التأخير مشعر بانتظار شيء . وجملة { إما يعذبهم وإما يتوب عليهم } بيان لجملة { وآخرون مُرجَون } باعتبار متعلق خبرها وهو { لأمر الله } ، أي أمر الله الذي هو إما تعذيبهم ، وإما توبته عليهم . ويفهم من قوله { يتوب عليهم } أنهم تابوا . والتعذيب مفيد عدم قبول توبتهم حينئذٍ لأن التعذيب لا يكون إلا عن ذنب كبير . وذنبهم هو التخلف عن النفير العام ، كما تقدم عند قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض } التوبة 38 الآية . وقبول التوبة عما مضى فضل من الله . و { إما } حرف يدل على أحد شيئين أو أشياء . ومعناها قريب من معنى أو التي للتخيير ، إلا أن إما تدخل على كلا الاسمين المخير بين مدلوليهما وتحتاج إلى أن تتلى بالواو ، وأو لا تدخل إلا على ثاني الاسمين . وكان التساوي بين الأمرين مع إما أظهر منه مع أو لأن أو تشعر بأن الاسم المعطوف عليه مقصود ابتداء . وتقدم الكلام عليها عند قوله تعالى { قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين } في سورة الأعراف 115 . و { يعذبهم ويتوب عليهم } فعلان في معنى المصدر حذفت أن المصدرية منهما فارتفعا كارتفاع قولهم « تسمعُ بالمعيدي خير من أن تراه » لأن موقع ما بعد إما للاسم نحو { إما العذاب وإما الساعة } مريم 75 و { وإما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسناً } الكهف 86 . وجملة { والله عليم حكيم } تذييل مناسب لإبهام أمرهم على الناس ، أي والله عليم بما يليق بهم من الأمرين ، محكم تقديره حين تتعلق به إرادته .