Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 3-3)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِىۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } . عطف على جملة { براءة من الله ورسوله } التوبة 1 وموقع لفظ { أذان } كموقع لفظ { براءة } التوبة 1 في التقدير ، وهذا إعلام للمشركين الذين لهم عهد بأنّ عهدهم انتقض . والأذانُ اسم مصدر آذنه ، إذا أعلمه بإعلان ، مثل العطاء بمعنى الإعطاء ، والأمان بمعنى الإيمان ، فهو بمعنى الإيذان . وإضافة الأذان إلى الله ورسوله دُون المسلمين ، لأنّه تشريع وحكم في مصالح الأمّة ، فلا يكون إلاّ من الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا أمر للمسلمين بأن يأذنوا المشركين بهذه البراءة ، لئلا يكونوا غادرين ، كما قال تعالى { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين } الأنفال 58 . والمراد بالناس جميع الناس من مؤمنين ومشركين لأن العلم بهذا النداء يَهُمّ الناس كلّهم . ويوم الحجّ الأكبر قيل هو يوم عرفة ، لأنّه يوم مجتمع الناس في صعيد واحد ، وهذا يروى عن عمر ، وعثمان ، وابن عباس ، وطاووس ، ومجاهد ، وابن سيرين . وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وفي الحديث " الحج عرفة " وقيل هو يوم النحر ، لأنّ الناس كانوا في يوم موقف عرفة مفترقين إذْ كانت الحُمْس يقفون بالمزدلفة ، ويقف بقية الناس بعرفة ، وكانوا جميعاً يحضرون منى يوم النحرِ ، فكان ذلك الاجتماع الأكبرَ ، ونسَب ابنُ عطية هذا التعليل إلى منذر بن سعيد ، وهذا قول علي ، وابن عمر ، وابن مسعود ، والمغيرة بن شعبة ، وابن عباس أيضاً ، وابن أبي أوفى ، والزهري ، ورواه ابن وهب عن مالك ، قال مالك لا نشك أن يوم الحج الأكبر يوم النحر لأنّه اليوم الذي تُرمى فيه الجمرة ، وينحر فيه الهدي ، وينقضي فيه الحج ، من أدرك ليلة النحر فوقف بعرفة قبل الفجر أدرَك الحج . وأقول إن يوم عرفة يوم شغل بعبادة من وقوف بالموقف ومن سماع الخطبة . فأما يوم منى فيوم عيدهم . و { الأكبر } بالجرّ نعت للحجّ ، باعتبار تجزئته إلى أعمال ، فوُصف الأعظم من تلك الأعمال بالأكبر ، ويظهر من اختلافهم في المراد من الحجّ الأكبر أنّ هذا اللفظ لم يكن معروفاً قبل نزول هذه الآية فمن ثم اختلف السلف في المراد منه . وهذا الكلام إنشاءٌ لهذا الأذان ، موقّتاً بيوم الحجّ الأكبر ، فيؤوّل إلى معنى الأمر ، إذ المعنى آذنوا الناس يوم الحجّ الأكبر بأنّ الله ورسوله بريئان من المشركين . والمراد بـــ { الناس } جميع الناس الذين ضمّهم الموسم ، ومن يبلغه ذلك منهم مؤمنهم ومشركهم ، لأنّ هذا الأذان ممَّا يجب أن يعلمه المسلم والمشرك ، إذ كان حكمه يلزم الفريقين . وقوله { أن الله بريء من المشركين } يتعلّق بــــ { أذان } بحذف حرف الجرّ ــــ وهو باء التعدية ــــ أي إعلام بهذه البراءة المتقدّمة في قوله { براءة من الله ورسوله } التوبة 1 فإعادتها هنا لأنّ هذا الإعلام للمشركين المعاهَدين وغيرهم ، تقريراً لعدم غدر المسلمين ، والآية المتقدّمة إعلام للمسلمين . وجاء التصريح بفعل البراءة مرّة ثانية دون إضمار ولا اختصار بأن يقال وأذان إلى الناس بذلك ، أو بها ، أو بالبراءة ، لأنّ المقام مقام بيان وإطناب لأجل اختلاف أفهام السامعين فيما يسمعونه ، ففيهم الذكّي والغبي ، ففي الإطناب والإيضاح قطع لمعاذيرهم واستقصاء في الإبلاغ لهم . وعُطف { ورسولهُ } بالرفع ، عند القرّاء كلّهم لأنّه من عطف الجملة ، لأنّ السامع يعلم من الرفع أنّ تقديره ورسولُه بريءٌ من المشركين ، ففي هذا الرفع معنى بليغ من الإيضاح للمعنى مع الإيجاز في اللفظ ، وهذه نكتة قرآنيّة بليغة ، وقد اهتدى بها ضابىء بن الحارث في قوله @ ومن يكُ أمسَى بالمدينةِ رحله فإنّي وقيّارٌ بها لغريب @@ برفع قيار لأنّه أراد أن يجعل غربة جمله المسمّى « قياراً » غربة أخرى غير تابعة لغربته . وممّا يجب التنبيه له ما في بعض التفاسير أنّه روى عن الحسن قراءة { ورسوله } ــــ بالجرّ ــــ ولم يصحّ نسبتها إلى الحسن ، وكيف يتصور جرّ { ورسوله } ولا عامل بمقتضي جرّه ، ولكنّها ذات قصة طريفة أنّ أعرابياً سمع رجلاً قرأ { أن الله بريء من المشركين ورسوله } ــــ بجرّ ورسولِه ــــ فقال الأعرابي إن كان الله بريئاً من رسوله فأنا منه بريء . وإنّما أراد التورّكَ على القارىء ، فلبَّبَه الرجل إلى عمر ، فحكى الأعرابي قراءتَه فعندها أمر عمر بتعلّم العربية ، وروي ــــ أيضاً ــــ أنّ أبا الأسود الدؤلي سمع ذلك فرفع الأمر إلى علي . فكان ذلك سبب وضع النحو ، وقد ذكرت هذه القصة في بعض كتب النحو في ذكر سبب وضع علم النحو . وهذا الأذان قد وقع في الحجّة التي حجّها أبو بكر بالناس ، إذ ألحق رسول الله عليه الصلاة والسلام علي بن أبي طالب بأبي بكر ، موافياً الموسم ليؤذِّن ببراءة ، فأذن بها علي يوم النحر بمنى ، من أولها إلى ثلاثين أو أربعين آية منها ، كذا ثبت في الصحيح والسنن بطرق مختلفة يزيد بعضها على بعض . ولعلّ قوله « أو أربعين آية » شكّ من الراوي ، فما ورد في رواية النسائي ، أي عن جابر أنّ علياً قرأ على الناس بَراءة حتّى ختمها ، فلعلّ معناه حتّى ختم ما نزل منها ممّا يتعلّق بالبراءة من المشركين ، لأنّ سورة براءة لم يتم نزولها يومئِذ ، فقد ثبت أنّ آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هي آخر آية من سورة براءة . وإنّما ألحق النبي عليه الصلاة والسلام علي بن أبي طالب بأبي بكر الصديق ، لأنه قيل لرسول الله إنّ العرب لا يرون أن يَنقض أحد عهدَه مع مَن عاهده إلاّ بنسفه أو برسول من ذي قرابة نسبه ، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن لا يترك للمشركين عذراً في علمهم بنبذ العهد الذي بينه وبينهم . وروي أنّ علياً بعث أبا هريرة يطوف في منازل قبائل العرب من منى ، يصيح بآيات براءة حتى صحل صوته . وكان المشركون إذا سمعوا ذلك يقولون لعلي « سترون بعد الأربعة الأشهر فإنّه لا عهد بيننا وبين ابن عمك إلاّ الطعن والضرب » . { فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } . التفريع على جملة { أن الله بريء من المشركين } ، فيتفرّع على ذلك حالتان حالة التوبة ، وحالة التولي . والخطاب للمشركين الذين أوذنوا بالبراءة ، والمعنى فإنْ آمنتم فالإيمان خير لكم من العهد الذي كنتم عليه ، لأنّ الإيمان فيه النجاة في الدنيا والآخرة ، والعهد فيه نجاة الدنيا لا غير . والمراد بالتولي الإعراض عن الإيمان . وأريد بفعل { تولّيتم } معنى الاستمرار ، أي إن دمتم على الشرك فاعلموا أنكم غير مفلتين من قدرة الله ، أي اعلموا أنّكم قد وقعتم في مكنة الله ، وأوشكتم على العذاب . وجملة { وبشر الذين كفروا بعذاب أليم } معطوفة على جملة { وأذان من الله ورسوله } لما تتضمنّه تلك الجملة من معنى الأمر ، فكأنّه قيل فآذنوا الناس ببراءة الله ورسوله من المشركين ، وبأنّ من تاب منهم فقد نجا ومن أعرض فقد أوشك على العذاب ، ثم قال وبشر المعرضين المشركين بعذاب أليم . والبشارة أصلها الإخبار بما فيه مسرّة ، وقد استعيرت هنا للإنذار ، وهو الإخبار بما يسوء ، على طريقة التهكّم ، كما تقدّم في قوله تعالى { فبشّرهم بعذاب أليم } في سورة آل عمران 21 . والعذاب الأليم هو عذاب القتل ، والأسر ، والسبي ، وفَيء الأموال ، كما قال تعالى { وأنزل جنوداً لم تروها وعذَّب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين } التوبة 26 فإنّ تعذيبهم يوم حنين بعضه بالقتل ، وبعضه بالأسر والسبي وغنم الأموال ، أي أنذر المشركين بأنّك مقاتلهم وغالبهم بعد انقضاء الأشهر الحرم ، كما يدلّ عليه قوله { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } التوبة 5 الآية .