Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 42-42)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

استئناف لابتداء الكلام على حال المنافقين وغزوة تبوك حين تخلّفوا واستأذن كثير منهم في التخلّف واعتلُّوا بعلل كاذبة ، وهو ناشىء عن قوله { ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض } التوبة 38 . وانتُقل من الخطاب إلى الغيبة لأنّ المتحدّث عنهم هنا بعض المتثاقلين لا محالة بدليل قوله بعد هذا { إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم } التوبة 45 . ومن هذه الآيات ابتدأ إشعار المنافقين بأنّ الله أطْلَع رسوله صلى الله عليه وسلم على دخائلهم . والعَرَض ما يعرض للناس من متاع الدنيا وتقدّم في قوله تعالى { يأخذون عرض هذا الأدنى } في سورة الأعراف 169 وقوله { تريدون عرض الدنيا } في سورة الأنفال 67 والمراد به الغنيمة . والقريب الكائن على مسافة قصيرة ، وهو هنا مجاز في السهْل حصولُه . و { قاصدا } أي وَسطاً في المسافة غير بعيد . واسم كان محذوف دلّ عليه الخبر أي لو كان العرض عرضاً قريباً ، والسفر سفراً متوسّطاً ، أو لو كان ما تدعوهم إليه عَرضاً قريباً وسفراً . والشُّقة ــــ بضمّ الشين ــــ المسافة الطويلة . وتعدية { بعدت } ــــ بحرف على لتضمّنه معنى ثقلت ، ولذلك حسن الجمع بين فعل { بعدت } وفاعله { الشقة } مع تقارب معنييهما ، فكأنّه قيل ولكن بعد منهم المكان لأنّه شُقّة ، فثقل عليهم السفر ، فجاء الكلام موجزاً . وقوله { وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم } يؤذن بأنّ الآية نزلت قبل الرجوع من غزوة تبوك ، فإنّ حلفهم إنّما كان بعد الرجوع وذلك حين استشعروا أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام ظانٌ كذبَهم في أعذارهم . والاستطاعة القدرة أي لسنا مستطيعين الخروج ، وهذا اعتذار منهم وتأكيد لاعتذارهم . وجملة { لخرجنا معكم } جواب { لو } . والخروج الانتقال من المقرّ إلى مكان آخر قريب أو بعيد ويعدّى إلى المكان المقصود بــــ إلى ، وإلى المكان المتروك بــــ مِن ، وشاع إطلاق الخروج على السفر للغزو . وتقييده بالمعية إشعار بأنّ أمر الغزو لا يهمّهم ابتداءً ، وأنّهم إنّما يخرجون لو خرجوا إجابة لاستنفار النبي صلى الله عليه وسلم خروج الناصر لغيره ، تقول العرب خرج بنو فلان وخرج معهم بنو فلان ، إذا كانوا قاصدين نصرهم . وجملة { يهلكون أنفسهم } حال ، أي يحلفون مُهلكين أنفسهم ، أي موقعينَها في الهُلْك . والهُلْك الفناء والموتُ ، ويطلق على الأضرار الجسيمة وهو المُناسب هنا ، أي يتسبّبون في ضرّ أنفسهم بالأيمان الكاذبة ، وهو ضرّ الدنيا وعذاب الآخرة . وفي هذه الآية دلالة على أنّ تعمد اليمين الفاجرة يفضي إلى الهلاك ، ويؤيّده ما رواه البخاري في كتاب الديات من خبر الهذليين الذين حلفوا أيمان القسامة في زمن عُمر ، وتعمّدوا الكذب ، فأصابهم مطر فدخلوا غاراً في جبل فانهجم عَليهم الغار فماتوا جميعاً . وجملة { والله يعلم إنهم لكاذبون } حال ، أي هم يفعلون ذلك في حال عدم جدواه عليهم ، لأنّ الله يعلم كذبهم ، أي ويُطلِع رسوله على كذبهم ، فما جنوا من الحلف إلاّ هلاك أنفسهم . وجملة { إنهم لكاذبون } سدّت مسدّ مفعولي { يعلم } .