Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 64-64)

Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

استئناف ابتدائي لذكر حال من أحوال جميع المنافقين كما تقدم في قوله { يحلفون بالله لكم } التوبة 62 وهو إظهارهم الإيمان بالمعجزات وإخبار الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالمغيبات . وظاهر الكلام أنّ الحذر صادر منهم وهذا الظاهر ينافي كونهم لا يصدقون بأنّ نزول القرآن من الله وأنّ خبره صدق فلذلك تردّد المفسّرون في تأويل هذه الآية . وأحسن ما قيل في ذلك قول أبي مسلم الأصفهاني « هو حذر يظهره المنافقون على وجه الاستهزاء . فأخبر الله رسوله بذلك وأمره أن يعلمهم بأنّه يظهر سرّهم الذي حذروا ظهوره . وفي قوله { استهزءوا } دلالة على ما ذكرناه ، أي هم يظهرون ذلك يريدون به إيهام المسلمين بصدق إيمانهم وما هم إلاّ مستهزئون بالمسلمين فيما بينهم ، وليس المراد بما في قلوبهم الكفر لأنّهم لا يظهرون أنّ ذلك مفروض ففعل { يحذر } فأطلق على التظاهر بالحذر ، أي مجاز مرسل بعلاقة الصورة ، والقرينة قوله { قل استهزءوا } إذ لا مناسبة بين الحذر الحقّ وبين الاستهزاء لولا ذلك ، فإنّ المنافقين لمّا كانوا مبطنين الكفر لم يكن من شأنهم الحذر من نزول القرآن بكشف ما في ضمائرهم ، لأنّهم لا يصدقون بذلك فتعيّن صرف فعل { يحذر } إلى معنى يتظاهرون بالحذر وعلى هذا القول يكون إطلاق الفعل على التظاهر بمدلوله من غرائِب المجاز . وتأوّل الزجاج الآية بأنّ { يحذر } خبر مستعمل في الأمر ، أي ليحذر . وعلى تأويله تكون جملة { قل استهزءوا } استئنافاً ابتدائياً لا علاقة لها بجملة { يحذر المنافقون } . ولهم وجوه أخرى في تفسير الآية بعيدة عن مهيعها ، ذكرها الفخر . وضميراً { عليهم } و { تنبئهم } يجوز أن يعودا إلى المنافقين ، وهو ظاهر تناسق الضمائر ومعادها . وتكون على بمعنى لام التعليل أي تنزل لأجل أحوالهم كقوله تعالى { ولتكبروا الله على ما هداكم } البقرة 185 . وهو كثير في الكلام ، وتكون تعدية { تنبئهم } إلى ضمير المنافقين على نزع الخافض ، أي تنبيء عنهم ، أي تنبىء الرسول بما في قلوبهم . ويجوز أن يكون تاء { تنبئهم } تاء الخطاب ، والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أي تنبئهم أنت بما في قلوبهم ، فيكون جملة { تنبئهم بما في قلوبهم } في محلّ الصفة لــــ { سورة } والرابط محذوف تقديره تنبّئهم بها ، وهذا وصف للسورة في نفس الأمر ، لا في اعتقاد المنافقين ، فموقع جملة { تنبئهم بما في قلوبهم } استطراد . ويجوز أن يعود الضميرانِ للمسلمين ، ولا يضرّ تخالف الضميرين مع ضمير { قلوبهم } الذي هو للمنافقين لا محالة ، لأنّ المعنى يَرُدُّ كلّ ضمير إلى ما يليق بأن يعود إليه . واختيرت صيغة المضارع في { يَحذر } لما تشعر به من استحضار الحالة كقوله تعالى { فتثير سحاباً } الروم 48 وقوله { يجادلنا في قوم لوط } هود 74 . والسورة طائفة معيّنة من آيات القرآن ذات مبدأ ونهاية وقد تقدّم بيانها عند تفسير طالعة سورة فاتحة الكتاب . والتنبئة الإخبار والإعلام مصدر نَبَّأ الخبر ، وتقدّم في قوله تعالى { ولقد جاءك من نبإِ المرسلين } في سورة الأنعام 34 . والاستهزاء تقدّم في قوله { إنما نحن مستهزئون } في أول البقرة 14 . والإخراج مستعمل في الإظهار مجازاً ، والمعنى أنّ الله مظهر ما في قلوبكم بإنزال السور مثل سورةِ المنافقين ، وهذه السورةِ سورةِ براءة ، حتّى سميت الفاضحة لما فيها من تعداد أحوالهم بقوله تعالى ومنهم ، ومنهم ، ومنهم . والعدول إلى التعبير بالموصول في قوله { ما تحذرون } دون أن يقال إنّ الله مخرج سورة تنبئكم بما في قلوبكم لأنّ الأهمّ من تهديدهم هو إظهار سرائرهم لا إنزال السورة ، فذكر الصلة وافٍ بالأمرين إظهارِ سرائرهم ، وكونه في سورة تنزِل ، وهو أنكى لهم ، ففيه إيجاز بديع كقوله تعالى في سورة كهيعص 80 { ونرثه ما يقول } بعد قوله { وقال لأوتين مالا وولداً } مريم 77 أي نرثه ماله وولده .