Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 91, Ayat: 11-15)
Tafsir: Aḍwāʾ al-bayān fī īḍāḥ al-Qurʾān bi-l-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ * إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا } . إن كانت جملة { قد أفلح من زكاها } الشمس 9 الخ معترضة كانت هذه جواباً للقسم باعتبار ما فرع عليها بقوله { فدَمْدَم عليهم ربهم بذنبهم } أي حقاً لقد كان ذلك لِذلك ، ولام الجواب محذوف تخفيفاً لاستطالة القسم ، وقد مثلوا لحذف اللام بهذه الآية وهو نظير قوله تعالى { والسماء ذات البروج } البروج 1 إلى قوله { قتل أصحاب الأخدود } البروج 4 . والمقصود التعريض بتهديد المشركين الذين كذّبوا الرسول طغياناً هم يعلمونه من أنفسهم كما كذبت ثمود رسولهم طغياناً ، وذلك هو المحتاج إلى التأكيد بالقَسَم لأن المشركين لم يهتدوا إلى أن ما حل بثمود من الاستئصال كان لأجل تكذيبهم رسول الله إليهم ، فنبههم الله بهذا ليتدبروا أو لتنزيل علم من علم ذلك منهم منزلة الإِنكار لعدم جَرْي أمرهم على موجَب العلم ، فكأنه قيل أقسم لَيصيبكم عذابٌ كما أصاب ثمود ، ولقد أصاب المشركين عذاب السيف بأيدي الذين عادَوْهم وآذوهم وأخرجوهم ، وذلك أقسى عليهم وأنكى . فمفعول { كذبت } محذوف لدلالة قوله بعده { فقال لهم رسول الله } والتقدير كذبوا رسول الله . وتقدم ذكْر ثمود ورسولهم صالح عليه السلام في سورة الأعراف . وباء { بطغواها } للسببية ، أي كانت طغواها سبب تكذيبهم رسول الله إليهم . والطغوى اسم مصدر يقال طغا طَغْوا وطُغياناً ، والطغيان فرط الكِبر ، وقد تقدم عند قوله تعالى { ويمُدُّهم في طغيانهم يعمهون } في سورة البقرة 15 ، وفيه تعريض بتنظير مشركي قريش في تكذيبهم بثمود في أن سبب تكذيبهم هو الطغيان والتكبر عن اتباع من لا يرون له فضلاً عليهم { وقالوا لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } الزخرف 31 . و { إذْ } ظرف للزمن الماضي يتعلق بــــ { طغواها } لأن وقت انبعاث أشقاها لعقر الناقة هو الوقت الذي بدت فيه شدة طغواها فبعثوا أشقاهم لعقر الناقة التي جُعلت لهم آية وذلك منتهى الجُرأة . و { انبعث } مطاوع بَعَث ، فالمعنى إذ بعثوا أشقاهم فانبعث وانتدب لذلك . و { إذ } مضاف إلى جملة { انبعث أشقاها } . وقدم ذكر هذا الظرف عن موقعه بعد قوله { فقال لهم رسول الله ناقة الله } لأن انبعاث أشقاها لعقر الناقة جُزئي من جزئيات طغواهم فهو أشد تعلقاً بالتكذيب المسبب عن الطغوى ففي تقديمه قضاء لحق هذا الاتصال ، ولإفادة أن انبعاث أشقاهم لعقر الناقة كان عن إغراء منهم إياه ، ولا يفوت مع ذلك أنه وقع بعد أن قال لهم رسول الله ناقة الله ، ويستفاد أيضاً من قوله { فعقروها } . و { أشقاها } أشدها شِقوة ، وعني به رجل منهم سماه المفسرون قُدار بضم القاف وتخفيف الدال المهملة ابن سالف ، وزيادته عليهم في الشقاوة بأنه الذي باشر الجريمة وإن كان عن ملإ منهم وإغراء . والفاء من قوله { فقال لهم رسول الله } عاطفة على { كذبت } فتفيد الترتيب والتعقيب كما هو الغالب فيها ، ويَكون معنى الكلام كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحداهم بآية الناقة وحذَّرهم من التعرض لها بسوء ومِن منعهم شربها في نوبتها من السُّقيا ، وعطف على { فكذبوه } ، أي فيما أنذرهم به فعقروها بالتكذيب المذكور أول مرة غير التكذيب المذكور ثانياً . وهذا يقتضي أن آية الناقة أرسلت لهم بعد أن كذبوا وهو الشأن في آيات الرسل ، وهو ظاهر ما جاء في سورة هود . ويجوز أن تكون الفاء للترتيب الذكري المجرد وهي تفيد عطف مفصل على مجمل مثل قوله تعالى { فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه } البقرة 36 فإن إزلالهما إبعادهما وهو يحصل بعد الإِخراج لا قبله . وقوله { وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا } الأعراف 4 ، فيكون المعنى كذبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقاها . ثم فُصل ذلك بقوله { فقال لهم رسول اللَّه } إلى قوله { فعقروها } ، والعقر عند انبعاث أشقاها ، وعليه فلا ضرورة إلى اعتبار الظرف وهو { إذ انبعث أشقاها } مقدَّماً من تأخير . وأعيدت عليهم ضمائر الجمع باعتبار أنهم جمع وإن كانت الضمائر قبله مراعىً فيها أن ثمود اسم قبيلة . وانتصب { ناقة اللَّه } على التحذير ، والتقدير احذروا ناقة الله . والمراد التحذير من أن يؤذوها ، فالكلام من تعليق الحكم بالذوات ، والمرادُ أحوالها . وإضافة { ناقة } إلى اسم الجلالة لأنها آية جعلها الله على صدق رسالة صالح عليه السلام ولأن خروجها لهم كان خارقاً للعادة . والسقيا اسم مصدر سَقى ، وهو معطوف على التحذير ، أي احذروا سقيها ، أي احذروا غصب سقيها ، فالكلام على حذف مضاف ، أو أطلق السقيا على الماء الذي تسقى منه إطلاقاً للمصدر على المفعول فيرجع إلى إضافة الحكم إلى الذات . والمراد حالة تعرف من المقام ، فإن مادة سقيا تؤذن بأن المراد التحذير من أن يسقوا إبلهم من الماء الذي في يوم نوبتها . والتكذيب المعقب به تحذيره إياهم بقوله { ناقة اللَّه } ، تكذيب ثانٍ وهو تكذيبهم بما اقتضاه التحذير من الوعيد . والإِنذارُ بالعذاب إن لم يحذروا الاعتداء على تلك الناقة ، وهو المصرح به في آية سورة الأعراف 73 في قوله { ولا تَمسُّوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم } وبهذا الاعتبار استقام التعبير عن مقابلة التحذير بالتكذيب مع أن التحذير إنشاء ، فالتكذيب إنما يتوجه إلى ما في التحذير من الإِنذار بالعذاب . والعَقْر جرح البعير في يديه ليبرك على الأرض من الألم فينحَر في لبته ، فالعقر كناية مشهورة عن النحر لتلازمهما . { فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلاَ يَخَافُ عُقْبَـٰهَا } . أي صاح عليهم ربهم صيحة غضب . والمراد بهذه الدمدمة صوت الصاعقة والرجفة التي أهلكوا بها قال تعالى { فأخذتهم الصيحة } الحجر 73 ، وإسناد ذلك إلى الله مجاز عقلي لأن الله هو خالق الصيحة وكيفياتها . فوزن دَمْدَم فَعْلَل ، وقال أكثر المفسرين دمدم عليهم أطبق عليهم الأرض ، يقال دَمَّمَ عليه القبر ، إذا أطبقه ودَمْدَم مكرر دَمَّم للمبالغة مثل كَبْكَب ، وعليه فوزن دَمْدَم فَعْلَلَ . وفرع على « دمدم عليهم » { فسواها } أي فاستَووا في إصابتها لهم ، فضمير النصب عائد إلى الدمدمة المأخوذة من « دمدم عليهم » . ومن فسروا « دمدم » بمعنى أطبق عليهم الأرض قالوا معنَى « سوَّاها » جعل الأرض مستوية عليهم لا تظهر فيها أجسادهم ولا بلادهم ، وجَعَلوا ضمير المؤنث عائداً إلى الأرض المفهومة من فعل « دمدم » فيكون كقوله تعالى { لو تسَّوَّى بهم الأرضُ } النساء 42 . وبين { فسواها } هنا وقوله { وما سواها } الشمس 7 قبله محسن الجناس التام . والعقبى ما يحصل عقِب فعل من الأفعال مِن تبعة لفاعِلِه أو مَثوبة ، ولما كان المذكور عقاباً وغلبة وكان العرف أن المغلوب يكنّى في نفسه الأخذ بالثأر من غالبه فلا يهدَأ له بال حتى يثأر لنفسه ، ولذلك يقولون الثَّأْر المُنِيم ، أي الذي يزيل النوم عن صاحبه ، فكان الذي يغلب غيره يتقي حذراً من أن يتمكن مغلوبُه من الثأر ، أخْبَرَ الله أنه الغالب الذي لا يقدر مغلوبُه على أخذ الثأر منه ، وهذا كناية عن تمكن الله من عقاب المشركين ، وأن تأخير العذاب عنهم إمهال لهم وليس عن عجز فجملة { ولا يخاف عقباها } تذييل للكلام وإيذان بالختام . ويجوز أن يكون قوله { ولا يخاف عقباها } تمثيلاً لحالهم في الاستئصال بحال من لم يترك مَن يثأر له فيكون المثَل كناية عن هلاكهم عن بكرة أبيهم لم يبق منهم أحد . وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر { فلا يخاف عقباها } بفاء العطف تفريعاً على { فدمدم عليهم ربهم } وهو مكتوب بالفاء في مصاحف المدينة ومصحف الشام … ومعنى التفريع بالفاء على هذه القراءة تفريع العلم بانتفاء خوف الله منهم مع قوَّتهم ليرتدع بهذا العلم أمثالهم من المشركين . وقرأ الباقون من العشرة { ولا يخاف عقباها } بواو العطف أو الحال ، وهي كذلك في مصاحف أهل مكة وأهل البصرة والكوفة ، وهي رواية قُرائها . وقال ابن القاسم وابن وهب أخرج لنا مالك مصحفاً لجدِّه وزعم أنه كتبه في أيام عثمان بن عفان حين كَتب المصاحف وفيه { ولا يخاف } بالواو ، وهذا يقتضي أن بعض مصاحف المدينة بالواو ولكنهم لم يقرأوا بذلك لمخالفته روايتهم .