Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 1, Ayat: 3-3)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هما وصفان لله تعالى ، واسمان من أسمائه الحسنى ، مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة ، والرحمٰن أشد مبالغة من الرحيم ، لأن الرحمن هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا ، وللمؤمنين في الآخرة ، والرحيم ذو الرحمة للمؤمنين يوم القيامة . وعلى هذا أكثر العلماء . وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا . وفي تفسير بعض السلف ما يدل عليه ، كما قاله ابن كثير ، ويدل له الأثر المروي عن عيسى كما ذكره ابن كثير وغيره أنه قال عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام { ٱلرَّحْمَـٰنِ } رحمن الدنيا والآخرة ، و { ٱلرَّحِيمِ } رحيم الآخرة . وقد أشار تعالى إلى هذا الذي ذكرنا حيث قال { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱلرَّحْمَـٰنُ } الفرقان 59 وقال { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } طه 5 ، فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته . قاله ابن كثير ومثله قوله تعالى { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ } الملك 19 أي ومن رحمانيته لطفه بالطير ، وإمساكه إياها صافات وقابضات في جو السماء . ومن أظهر الأدلة في ذلك قوله تعالى { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } الرحمن 1 - 2 إلى قوله { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } الرحمن 13 وقال { وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } الأحزاب 43 فخصهم باسمه الرحيم . فإن قيل كيف يمكن الجمع بين ما قررتم ، وبين ما جاء في الدعاء المأثور من قوله صلى الله عليه وسلم " رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما " فالظاهر في الجواب - والله أعلم - أن الرحيم خاص بالمؤمنين كما ذكرنا ، لكنه لا يختص بهم في الآخرة ، بل يشمل رحمتهم في الدنيا أيضاً ، فيكون معنى رحيمهما رحمته بالمؤمنين فيهما . والدليل على أنه رحيم بالمؤمنين في الدنيا أيضاً أن ذلك هو ظاهر قوله تعالى { هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } الأحزاب 43 ، لأن صلاته عليهم وصلاة ملائكته وإخراجه إياهم من الظلمات إلى النور رحمة بهم في الدنيا ، وإن كانت سبب الرحمة في الآخرة أيضاً . وكذلك قوله تعالى { لَّقَد تَّابَ اللهُ عَلَى ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } التوبة 117 ، فإنه جاء فيه بالباء المتعلقة بالرحيم الجارة للضمير الواقع على النَّبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار ، وتوبته عليهم رحمة في الدنيا وإن كانت سبب رحمة الآخرة أيضاً . والعلم عند الله تعالى .