Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 104, Ayat: 1-1)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف في معنى كلمة ويل . فقيل : هو واد في جهنم . وقيل : هي كلمة عذاب وهلاك . وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ، وذكر هذين المعنيين في سورة الجاثية عند قوله تعالى : { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } [ الجاثية : 7 ] ، وبين أنها مصدر لا لفظ له من فعله وأن المسوغ للابتداء بها مع أنها نكرة كونها في معرض الدعاء عليهم بالهلاك . وقد استظهر رحمه الله تعالى هذا المعنى . ومما يشهد لما استظهره رحمه الله ، ما جاء في حق أصحاب الجنة التي أصبحت كالصريم ، أنهم قالوا عند رؤيتهم إياها { قَالُواْ يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } [ الأنبياء : 14 ] ، فهي كلمة تقال عند نزول المصائب ، وعند التقبيح . وقال الفخر الرازي : أصل الويل لفظة السخط والدم ، وأصلها نوى لفلان ، ثم كثرت في كلامهم فوصلت باللام ، ويقال : ويح بالحاء للترحم اهـ . ومما يدل لقول الرازي أيضاً قول قارون { وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ } [ القصص : 82 ] . ومثله للتعجب في قوله : { قَالَتْ يٰوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً } [ هود : 72 ] . وقوله : { قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي } [ المائدة : 31 ] . فالظاهر : أنها كلمة تقال عند الشدة والهلكة ، أو شدة التعجب مما يشبه المستبعد . والذي يشهد له القرآن : هو هذا المعنى ، وسبب الخلاف قد يرجع لمجيئها تارة مطلقة كقوله : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [ المرسلات : 15 ] ، وهنا { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } [ الهمزة : 1 ] . ويجيء مع ذكر ما يتوعد به كقوله : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ } [ ص : 27 ] ، وقوله : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ } [ الزخرف : 65 ] ، فذكر النار والعذاب الأليم . وكذلك قوله : { فَوْيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [ مريم : 37 ] ، فهي في هذا كله للوعيد الشديد ، مما ذكر معها من النار والعذاب الأليم ومشهد يوم عظيم ، وليست مقصودة بذاتها دون ما ذكر معها ، والعلم عند الله تعالى . وقوله : { هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } ، قيل : هما بمعنى واحد ، وهو الغيبة . وأنشد ابن جرير قول زياد الأعجم : @ تدلى بودي إذ لاقيتني كذباً وإن أغيب فأنت الهامز الهمزة @@ وعزا هذا لابن عباس ، وهو الذي يصيب الناس ويطعن فيهم . وقد جاء في القرآن استعمال كل من الكلمتين مفردة عن الأخرى ، بما يدل على المغايرة . ففي الهمزة قوله : { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّآءِ بِنَمِيمٍ } [ القلم : 10 - 11 ] ، مما يدل على الكذب والنميمة . وفي الهمزة قوله تعالى : { وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ } [ الحجرات : 11 ] . وقوله : { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ } [ التوبة : 58 ] ، مما يدل على أنها أقرب للتنقص والعيب في الحضور لا في الغيبة ، فتغاير الهمز في المعنى ، وفي الصفة ، والجمع بينهما جمع بين القبيحين ، فكان مستحقاً لهذا الوعيد الشديد بكلمة ويل . وقد قيل : الهمز باليد : وقيل : باللسان في الحضرة ، والهمز في الغيبة . وقيل : الهمز باليد ، واللمز باللسان ، والغمز بالعين ، وكلها معان متقاربة تشترك في تنقص الآخرين .