Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 109, Ayat: 2-5)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قيل ، تكرار في العبارات للتوكيد ، كتكرار { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [ المرسلات : 15 ] ، وتكرار : { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 13 ] . ونظيره في الشعر أكثر من أن يحصر ، من ذلك ما أورده القرطبي رحمه الله : @ هل لا سألت جموع كندة يوم ولو أين أينا @@ وقول الآخر : @ يا علقمة يا علقمة يا علقمة خير تميم كلها وأكرمه @@ وقول الآخر : @ يا أقرع بن حابس يا أقرع إنك إن يصرع أخوك تصرع @@ وقول الآخر : @ ألا يا سلمى ثم اسلمي ثمت اسلمي ثلاث تحيات وإن لم تكلم @@ وقد جاءت في أبيات لبعض تلاميذ الشيخ رحمه الله تعالى ، ضمن مساجلة له معه قال فيها : @ تالله إنك قد ملأت مسامعي درّا عليه قد انطوت أحشائي زدني وزدني ثم زدني ولتكن منك الزيادة شافياً للداء @@ فكرر قوله : زدني ثلاث مرات وقيل : ليس فيه تكرار ، على أن الجملة الأولى عن الماضي والثانية عن المستقبل . وقيل : الأولى عن العبادة ، والثانية عن المعبود . وقيل غير ذلك ، على ما سيأتي إن شاء الله . والسورة في الجملة نص على أنه صلى الله عليه وسلم لا يعبد معبودهم ، ولا هم عابدون معبوده ، وقد فسره قوله تعالى : { فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [ يونس : 41 ] . وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه الكلام على هذا المعنى ، عند آية يونس تلك ، وذكر هذه السورة هناك . وقد ذكر أيضاً في دفع إيهام الاضطراب جواباً على إشكال في السورة وهو قوله تعالى : { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } ، نفى لعبادة كل منهما معبود الآخر مطلقاً ، مع أنه قد آمن بعضهم فيما بعد وعبد ما يعبده صلى الله عليه وسلم ، وأجاب عن ذلك بأحد أمرين : موجزهما أنهما من جنس الكفار ، وإن أسلموا فيما بعد فهو خطاب لهم ما داموا كفاراً إلى آخره ، أو أنها من العام المخصوص ، فتكون في خصوص من حقت عليهم كلمات ربك . ا هـ . مخلصاً . وقد ذكر أبو حيان وجهاً عن الزمخشري : أن ما يتعلق بالكفار خاص بالحاضر ، لأن ما إذا دخلت على اسم الفاعل تعينه للحاضر . وناقشه أبو حيان ، بأن ذلك في مغالب لا على سبيل القطع . والذي يظهر من سياق السورة ، قد يشهد لما ذهب إليه الزمخشري ، وهو أن السورة تتكلم عن الجانبين على سبيل المقابلة جهة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وجهة الكفار في عدم عبادة كل منهما معبود الآخر . ولكنها لم تساو في اللفظ بين الطرفين ، فمن جهة الرسول صلى الله عليه وسلم جاء في الجملة الأولى { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } عبر عن كل منهما بالفعل المضارع الدال على الحال : أي لا أعبد الآن ما تعبدون الآن بالفعل . ثم قال : { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } فعبر عنهم بالاسمية وعنه هو بالفعلية ، أي ولا أنتم متصفون بعبادة ما أعبد الآن . وفي الجملة الثانية قال : { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } [ الكافرون : 4 - 5 ] . فعبر عنه بأنه ليس متصفاً بعبادة ما يعبدون ولا هم عابدون ما يعبد ، فكان وصفه هو صلى الله عليه وسلم في الجملتين بوصفين مختلفين بالجملة الفعلية تارة وبالجملة الاسمية تارة أخرى ، فكانت إحداهما لنفي الوصف الثابت ، والأخرى لنفي حدوثه فيما بعد . أما هم فلم يوصفوا في الجملتين إلا بالجملة الاسمية الدالة على الوصف الثابت ، أي في الماضي إلى الحاضر ، ولم يكن فيما وصفوا به جملة فعلية من خصائصها التجدد والحدوث ، فلم يكن فيها ما يتعرض للمستقبل فلم يكن إشكال ، والله تعالى أعلم . فإن قيل : إن الوصف باسم الفاعل يحتمل الحال والاستقبال ، فيبقى الإشكال محتملاً . قيل : ما ذكره الزمخشري من أن دخول ما عليه تعينه للحال ، يكفي في نفي هذا الاحتمال ، فإن قيل : قد ناقشه أبو حيان . وقال : إنها أغلبية وليست قطعية . قلنا : يكفي في ذلك حكم الأغلب ، وهو ما يصدقه الواقع ، إذ آمن بعضهم وعبد معبوده صلى الله عليه وسلم ، وما في قوله : { مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } ، واقعة في الأولى على غير ذي علم ، وهي أصنامهم وهو استعمالهم الأساسي . وفي الثانية : في حق الله تعالى وهو استعمالها في غير استعمالها الأساسي ، فقيل : من أجل المقابلة ، وقد استعملت فيمن يعلم ، كقوله تعالى : { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [ النساء : 3 ] ، لأنهن في معرض الاستمتاع بهن ، فللقرينة جاز ذلك . وقيل : إنها مع ما قبلها مصدرية ، أي ما مصدرية بمعنى عبادتكم الباطلة ، ولا تعبدون عباداتي الصحيحة . وهذا المعنى قوي ، وإن تعارض مع ما ذكر من سبب النزول ، إلا أن له شاهداً من نفس السورة ويتضمن المعنى الأول ، ودليله من السورة قوله تعالى في آخر السورة : { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [ الكافرون : 6 ] ، فأحالهم على عبادتهم ، ولم يحلهم على معبودهم .