Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 80-81)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ } . ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن نبيه لوطاً وعظ قومه ونهاهم أن يفضحوه في ضيفه ، وعرض عليهم النساء وترك الرجال ، فلم يلتفتوا إلى قوله ، وتمادوا فيما هم فيه من إرادة الفاحشة فقال لوط { لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً } الآية . فأخبرته الملائكة بأنهم رسل ربه ، وأن الكفار الخبثاء لا يصلون إليه بسوء . وبين في القمر أنه تعالى طمس أعينهم ، وذلك في قوله { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } القمر 37 . قوله تعالى { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ } . ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه أمر نبه لوطاً أن يسري بأهله بقطع من الليل ، ولم يبين هنا هل هو من آخر الليل ، أو وسطه أو أوله ، ولكنه بين في القمر أن ذلك من آخر الليل وقت السحر ، وذلك في قوله { إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ } القمر 34 . ولم يبين هنا أنه أمره أن يكون من ورائهم وهم أمة ، ولكنه بين ذلك في الحجر بقوله { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱللَّيْلِ وَٱتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَٱمْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ } الحجر 65 . وقوله تعالى { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ } . قرأه جمهور القراء { إِلاَّ ٱمْرَأَتَك } بالنصب ، وعليه فالأمر واضح . لأنه استثناء من الأهل ، أي أسر بأهلك إلا امرأتك فلا تسر بها ، واتركها في قومها فإنها هالكة معهم . ويدل لهذا الوجه قوله فيها في مواضع . { كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } الأعراف 83 والغابر الباقي ، أي من الباقين في الهلاك . وقرأ أبو عمرو وابن كثير { إِلاَّ ٱمْرَأَتَك } بالرفع على أنه بدل من { أَحَدٌ } وعليه فالمعنى أنه أمر لوطاً أن ينهى جميع أهله عن الالتفات إلا امرأته فإنه أوحى إليه أنها هالكة لا محالة ، ولا فائدة في نهيها عن الالتفات لكونها من جملة الهالكين . وعلى قراءة الجمهور فهو لم يسر بها . وظاهر قراءة ابن عمرو وابن كثير أنه أسرى بها والتفتت فهلكت . قال بعض العلماء لما سمعت هدة العذاب التفتت وقالت واقوماه . فأدركها حجر فقتلها . قال مقيدة - عفا الله عنه - الظاهر أن وجه الجمع بين القراءتين المذكورتين أن السر في أمر لوط بأن يسري بأهله هو النجاة من العذاب الواقع صبحاً بقوم لوط ، وامرأة لوط مصيبها ذلك العذاب الذي أصاب قومها لا محالة ، فنتيجة إسراء لوط بأهله لم تدخل فيها امرأته على كلا القولين ، وما لا فائدة فيه كالعدم ، فيستوي معنى أنه تركها ولم يسر بها أصلاً ، وأنه أسرى بها وهلكت مع الهالكين . فمعنى القولين راجع إلى أنها هالكة وليس لها نفع في إسراء لوط بأهله . فلا فرق بين كونها بقيت معهم ، أو خرجت وأصابها ما أصابهم . فإذا كان الإسراء مع لوط لم ينجها من العذاب ، فهي ومن لم يسر معه سواء - والعلم عند الله تعالى . وقوله { فَأسْرِ بِأَهْلِك } قرأه نافع وابن كثير " فاسر " بهمزة وصل . من سرى يسري ، وقرأه جمهور القراء { فَأَسْرِ بِأَهلِكَ } بقطع الهمزة ، من أسرى الرباعي على وزن أفعل . وسرى وأسرى لغتان وقراءتان صحيحتان سبعيتان ، ومن سرى الثلاثية ، قوله تعالى { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } الفجر 4 فإن فتح ياء { يَسْرِ } يدل على أنه مضارع سرى الثلاثية . وجمع اللغتين قول نابغة ذبيان @ أسرت عليه من الجوزاء سارية تزجى الشمال عليها جامد البرد @@ فإنه قال أسرت ، رباعية في أشهر روايتي البيت . وقوله سارية . اسم فاعل سرى الثلاثية ، وجمعهما أيضاً قول الآخر @ حتى النضيرة ربة الخدر أسرت إليك ولم تكن تسري @@ بفتح تاء " تسري " واللغتان كثيرتان جداً في كلام العرب . ومصدر الرباعية الإسراء على القياس ، ومصدر الثلاثية السرى - بالضم - على وزن فعل - بضم ففتح - على غير قياس ، ومنه قول عبد الله بن رواحة @ عند الصباح يحمد القوم السرى وتنجلي عنهم غيابات الكرى @@ قال تعالى { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ } الآية . ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن موعد إهلاك قوم لوط وقت الصبح من تلك الليلة ، وكذلك قال في الحجر في قوله { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ } الحجر 66 وزاد في الحجر أن صيحة العذاب وقعت عليهم وقت الإشراق وهو وقت طلوع الشمس بقوله { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ } الحجر 73 .