Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 110, Ayat: 3-3)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تقدم الكلام على التسبيح ومتعلقه وتصريفه . وهنا قرن التسبيح بحمد الله ، وفيه ارتباط لطيف بأول السورة وموضوعها ، إذ هي في الدلالة على كمال مهمة الرسالة بمجيء نصر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ولدينه . ومجيء الفتح العام على المسلمين لبلاد الله بالفعل أو بالوعد الصادق كما تقدم ، وهي نعمة تستوجب الشكر ويستحق موليها الحمد . فكان التسبيح مقترناً بالحمد في مقابل ذلك وقوله : { بِحَمْدِ رَبِّكَ } ، ليشعر أنه سبحانه المولى للنعم ، كما جاء في سورة الضحى في قوله تعالى : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } [ الضحى : 3 ] . وقوله في سورة اقرأ : { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ } [ العلق : 1 ] ، وتكرارها { ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ } [ العلق : 3 ] ، لأن صفة الربوبية مشعرة بالإنعام . وقوله : { وَٱسْتَغْفِرْهُ } ، قال البعض : إن الاستغفار عن ذنب فما هو . وتقدم الكلام على عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عند قوله تعالى : { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } [ الشرح : 2 ] . ومما تجدر الإشارة إليه أن التوبة دعوة الرسل ، ولو بدأنا من آدم عليه السلام مع قصته ففيها { فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ } [ البقرة : 37 ] ، ومعلوم موجب تلك التوبة . ثم نوح عليه السلام يقول : { رَّبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } [ نوح : 28 ] الآية . وإبراهيم عليه السلام يقول : { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } [ البقرة : 128 ] . وبناء عليه قل بعض العلماء : إن الاستغفار نفسه عبادة كالتسبيح ، فلا يلزم منه وجود ذنب . وقيل : هو تعليم لأمته . وقيل : رفع لدرجاته صلى الله عليه وسلم . وقد جاء في السنة ، أنه صلى الله عليه وسلم قال : " توبوا إلى الله ، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة " ، فتكون أيضاً من باب الاستكثار من الخير ، والإنابة إلى الله تعالى . تنبيه جاء في التفسير عند الجميع أنه صلى الله عليه وسلم منذ أن نزلت هذه السورة وهو لم يكن يدع قوله : " سبحانك اللهم وبحمدك " تقول عائشة رضي الله عنها : " يتأول القرآن " أي يفسره ، ويعمل به . ونقل أبو حيان عن الزمخشري أنه قال : والأمر بالاستغفار مع التسبيح تكميل للأمر بما هو قوام أمر الدين ، من الجمع بين الطاعة والاحتراز من المعصية ، وليكون أمره بذلك مع عصمته لطفاً لأمته ، ولأن الاستغفار من التواضع وهضم النفس فهو عبادة في نفسه . وفي هذا لفت نظر لأصحاب الأذكار والأوراد الذين يحرصون على دوام ذكر الله تعالى ، حيث هذا كان من أكثر ما يداوم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في أذكار الصباح والمساء دون الملازمة على ذكر اسم من أسماء الله تعالى وحده ، منفرداً مما لم يرد به نص صحيح ولا صريح . ولا شك أن الخير كل الخير في الاتباع لا في الابتداع ، وأي خير أعظم مما اختاره الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في آخر حياته ، ويأمر به ، ويلازم هو عليه . وقلنا في آخر حياته : لأنه صلى الله عليه وسلم توفي بعدها بمدة يسيرة . وفي هذه الآية دلالة الإيمان ، كما قالوا : ودلالة الالتزام كما جاء عن ابن عباس في قصة عمر رضي الله عنه مع كبار المهاجرين والأنصار ، حينما كان يسمح له بالجلوس معهم ، ويرى في وجوههم ، وسألوه وقالوا : إن لنا أولاداً في سنه ، فقال : إنه من حيث علمتم . وفي يوم اجتمعوا عنده فدعاه عمر ، قال ابن عباس ، فعلمت أنه ما دعاني إلا لأمر فسألهم عن قوله تعالى : { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } [ النصر : 1 ] ، السورة . فقالوا : إنها بشرى بالفتح وبالنصر ، فقال : ما تقول أنت يا ابن عباس ؟ قال : فقلت ، لا والله ، إنها نعت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرنا . فقال عمر : وأنا لا أعرف فيها إلا كما قلت : أي أنه صلى الله عليه وسلم جاء لمهمة ، وقد تمت بمجيء النصر والفتح والدخول في الدين أفواجاً . وعليه يكون قد أدى الأمانة وبلَّغ الرسالة . فعليه أن يتأهب لملاقاة ربه ليلقى جزاء عمله ، وهو مأخذ في غاية الدقة ، وبيان لقول علي رضي الله عنه : أو فهم أعطاه الله من شاء في كتاب الله .