Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 24-24)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } الآية . ظاهر هذه الآية الكريمة قد يفهم منه أن يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام هم بأن يفعل مع تلك المرأة مثل ما همت هي به منه . ولكن القرآن العظيم بين براءته عليه الصلاة والسلام من الوقوع فيما لا ينبغي حيت بين شهادة كل من له تعلق بالمسألة ببراءته ، وشهادة الله له بذلك واعتراف إبليس به . أما الذين لهم تعلق بتلك الواقعة فهم يوسف ، والمرأة ، وزوجها ، والنسوة ، والشهود . أما حزم يوسف بأنه بريء من تلك المعصية فذكره تعالى في قوله { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } يوسف 26 وقوله { قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ } يوسف 33 الآية . وأما اعتراف المرأة بذلك ففي قولها للنسوة { وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ } يوسف 32 وقولها { ٱلآنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ } يوسف51 . وأما اعتراف زوج المرأة ففي قوله { قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ } يوسف 28 - 29 . وأما اعتراف الشهود بذلك ففي قوله { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } يوسف 26 الآية . وأما شهادة الله جل وعلا ببراءته ففي قوله { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } يوسف 24 . قال في الفخر الرازي في تفسيره قد شهد الله تعالى في هذه الآية الكريمة على طهارته أربع مرات أولها - { لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ } يوسف 24 واللام للتأكيد والمبالغة . والثاني - قوله { وَٱلْفَحْشَآءَ } يوسف 24 أي وكذلك لنصرف عنه الفحشاء . والثالث - قوله { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَاَ } يوسف 24 مع أنه تعالى قال { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } الفرقان 63 . والرابع - قوله { ٱلْمُخْلَصِينَ } يوسف 23 وفيه قراءتان قراءة باسم الفاعل . وأخرى باسم المفعول . فوروده باسم الفاعل يدل على كونه آتياً بالطاعات والقربات مع صفة الإخلاص . ووروده باسم المفعول يدل على أن الله تعالى استخلصه لنفسه ، واصطفاه لحضرته . وعلى كلا الوجهين فإنه من أدل الألفاظ على كونه منزهاً عما أضافوه إليه . اهـ من تفسير الرازي . ويؤيد ذلك قوله تعالى { مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } يوسف 23 . وأما إقرار إبليس بطهارة يوسف ونزاهته ففي قوله تعالى { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } ص 82 - 83 فأقر بأنه لا يمكنه إغواء المخلصين ولا شك أن يوسف من المخلصين ، كما صرح تعالى به في قوله { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } يوسف 24 فظهرت دلالة القرآن من جهات متعددة على براءته مما لا ينبغي . وقال الفخر الرازي في تفسير هذه الآية ما نصه وعند هذا نقول هؤلاء الجهال الذين نسبوا إلى يوسف عليه السلام هذه الفضيحة ، إن كانوا من أتباع دين الله تعالى فليقبلوا شهادة الله تعالى على طهارته ، وإن كانوا من أتباع إبليس وجنوده فليقبلوا شهادة إبليس على طهارته . ولعلهم يقولون كنا في أول الأمر تلامذة إبليس ، إلى أن تخرجنا عليه فزدنا في السفاهة عليه . كما قال الخوارزمي @ وكنت امرأ من جند إبليس فارتقى بي الدهر حتى صار إبليس من جندي فلو مات قبلي كنت أحسن بعده طرائق فسق ليس يحسنها بعدي @@ فثبت بهذه الدلائل أن يوسف عليه السلام بريء مما يقول هؤلاء الجهال . اهـ كلام الرازي . ولا يخفى ما فيه من قلة الأدب مع من قال تلك المقالة من الصحابة وعلماء السلف الصالح ! وعذر الرازي في ذلك هو اعتقاده أن ذلك لم يثبت عن أحد من السلف الصالح . وسترى في آخر هذا المبحث أقوال العلماء في هذه المسألة إن شاء الله تعالى . فإن قيل قد بينتم دلالة القرآن على براءته عليه السلام مما لا ينبغي في الآيات المتقدمة . ولكن ماذا تقولون في قوله تعالى { وَهَمَّ بِهَا } ؟ فالجواب من وجهين الأول - إن المراد بهم يوسف بها خاطر قلبي صرف عنه وازع التقوى . وقال بعضهم هو الميل الطبيعي والشهوة الغريزية المزمومة بالتقوى ، وهذا لا معصية فيه . لأنه أمر جبلي لا يتعلق به التكليف . كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم " أنه كان يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول " اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما لا أملك " يعني ميل القلب الطبيعي . ومثال هذا ميل الصائم بطبعه إلى الماء البارد ، مع أن تقواه تمنعه من الشرب وهو صائم . وقد قال صلى الله عليه وسلم " ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة " لأنه ترك ما تميل إليه نفسه بالطبع خوفاً من الله ، وامتثالاً لأمره ، كما قال تعالى { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } النازعات 40 - 41 . وهم بني حارثة وبني سلمة بالفرار يوم أحد ، كهم يوسف هذا ، بدليل قوله { إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا } الأعراف 122 لأن قوله { وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا } يدل على أن ذلك الهم ليس معصية ، لأن اتباع المعصية بولاية الله لذلك العاصي إغراء على المعصية . والعرب تطلق الهم وتريد به المحبة والشهوة ، فيقول الإنسان فيما لا يحبه ولا يشتهيه هذا ما يهمني ، ويقول فيما يحبه ويشتهيه هذا أهم الأشياء إلي ، بخلاف هم امرأة العزيز ، فإنه هم عزم وتصميم ، بدليل أنها شقت قميصه من دبر وهو هارب عنها ، ولم يمنعها من الوقوع فيما لا ينبغي إلا عجزها عنه . ومثل هذا التصميم على المعصية معصية يؤاخذ بها صاحبها ، بدليل الحديث الثابت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي بكرة " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار " قالوا يا رسول الله قد عرفنا القاتل فما بال المقتول ؟ قال " إنه كان حريصاً على قتل صاحبه " فصرح صلى الله عليه وسلم بأن تصميم عزمه على قتل صاحبه معصيه أدخله الله بسببها النار . وأما تأويلهم هم يوسف بأنه قارب الهم ولم يهم بالفعل ، كقول العرب قتلته لو لم أخف الله ، أي قاربت أن اقتله ، كما قاله الزمخشري . وتأويل الهم بأنه هم بضربها ، أو هم بدفعها عن نفسه ، فكل ذلك غير ظاهر ، بل بعيد من الظاهر ولا دليل عليه . والجواب الثاني - وهو اختيار أبي حيان أن يوسف لم يقع منه هم أصلاً ، بل هو منفى عنه لوجود البرهان . قال مقيدة عفا الله عنه هذا الوجه الذي اختاره أبو حيان وغيره هو أجرى الأقوال على قواعد اللغة العربية ، لأن الغالب في القرآن وفي كلام العرب أن الجواب المحذوف يذكر قبله ما يدل عليه ، كقوله { فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ } يونس 84 أي إن كنتم مسلمين فتوكلوا عليه ، فالأول دليل الجواب المحذوف لا نفس الجواب ، لأن جواب الشروط وجواب { لَوْلاَ } لا يتقدم ، ولكن يكون المذكور قبله دليلاً عليه كالآية المذكورة . وكقوله { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } البقرة 111 أي إن كنتم صادقين فهاتوا برهانكم . وعلى هذا القول فمعنى الآية ، وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ، أي لولا أن رآه هم بها . فما قبل { لولا } هو دليل الجواب المحذوف ، كما هو الغالب في القرآن واللغة . ونظير ذلك قوله تعالى { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا } القصص 10 فما قبل { لَوْلاَ } دليل الجواب . أي لولا أن ربطنا على قلبها لكادت تبدي به . واعلم أن جماعة من علماء العربية أجازوا تقديم جواب { لولا } وتقديم الجواب في سائر الشروط وعلى هذا القول يكون جواب { لَوْلاَ } في قوله { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } هو ما قبله من قوله { وَهَمَّ بِهَا } . وإلى جواز التقديم المذكور ذهب الكوفيون ، ومن أعلام البصريين أبو العباس المبرد ، وأبو زيد الأنصاري . وقال الشيخ أبو حيان في البحر المحيط ما نصه والذي اختاره أن يوسف عليه السلام لم يقع منه هم بها ألبتة ، بل هو منفى لوجود رؤية البرهان . كما تقول لقد قارفت لولا أن عصمك الله . ولا نقول إن جواب { لولا } متقدم عليها ، وإن كان لا يقوم دليل على امتناع ذلك ، بل صريح أدوات الشروط العاملة مختلف في جواز تقديم أجوبتها عليها . وقد ذهب إلى ذلك الكوفيون ، ومن أعلام البصريين أبو زيد الأنصاري ، وأبو العباس المبرد . بل نقول إن جواب { لَولاَ } محذوف لدلالة ما قبله عليه ، كما يقول جمهور البصريين في قول العرب أنت ظالم إن فعلت . فيقدرونه إن فعلت فأنت ظالم . ولا يدل قوله أنت ظالم على ثبوت الظلم . بل هو مثبت على تقدير وجود الفعل ، وكذلك هنا التقدير لولا أن رأى برهان ربه لهم بها ، فكان وجود الهم على تقدير انتفاء رؤية البرهان ، لكنه وجد رؤية البرهان فانتفى الهم ، ولا التفات إلى قول الزجاج . ولو كان الكلام ولهم بها كان بعيداً ، فكيف مع سقوط اللام ؟ لأنه يوهم أن قوله { وَهَمَّ بِهَا } هو جواب { لَوْلاۤ } ونحن لم نقل بذلك ، وإنما هو دليل الجواب . وعلى تقدير أن يكون نفس الجواب فاللام ليست بلازمة ، لجواز أن يأتي جواب { لَوْلاۤ } إذا كان بصيغة الماضي باللام . وبغير لام تقول لولا زيد لأكرمتك . ولولا زيد أكرمتك . فمن ذهب إلى أن قوله { هَمَّ بِهَا } نفس الجواب لم يبعد . ولا التفات لقول ابن عطية إن قول من قال إن كلام قد تم في قوله { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ } وإن جواب { لولا } في قوله { وَهَمَّ بِهَا } وإن المعنى لولا أن راى برهان ربه لهم بها ، فلم يهم يوسف عليه السلام . قال وهذا قول يرده لسان العرب وأقوال السلف اهـ . أما قوله يرده لسان العرب فليس كما ذكر وقد استدل من ذهب إلى جواز ذلك بوجوده في لسان العرب ، قال الله تعالى { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } القصص 10 فقوله { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِه } القصص 10 إما أن يتخرج على أن الجواب على ما ذهب إليه ذلك القائل ، وإما أن يتخرج على ما ذهبنا إليه من أنه دليل الجواب ، والتقدير لولا أن ربطنا على قلبها لكادت تبدي به . وأما أقوال السلف فنعتقد أنه لا يصح عن أحد منهم شيء من ذلك ، لأنها اقوال متكاذبة يناقض بعضها بعضاً ، مع كونها قادحة في بعض فساق المسلمين فضلاً عن المقطوع لهم بالعصمة . والذي روي عن السلف لا يساعد عليه كلام العرب . لأنهم قدروا جواب { لَوْلاَ } محذوفاً ولا يدل عليه دليل . لأنهم لم يقدروا لهم بها ولا يدل كلام العرب إلا على أن يكون المحذوف من معنى ما قبل الشرط . لأن ما قبل الشرط دليل عليه اهـ . محل الغرض من كلام أبي حيان بلفظه . وقد قدمنا أن هذا القول هو أجرى الأقوال على لغة العرب ، وإن زعم بعض العلماء خلاف ذلك . فبهذين الجوابين نعلم أن يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بريء من الوقوع فيما لا ينبغي ، وأنه إما أن يكون لم يقع منه أصلاً بناء على أن الهم معلق بأداة الامتناع التي هي { لَوْلاَ } على انتفاء رؤية البرهان ، وقد رأى البرهان فانتفى المعلق عليه ، وبانتفائه ينتفي المعلق الذي هو همه بها كما تقدم إيضاحه في كلام أبي حيان . وإما أن يكون همه خاطراً قلبياً صرف عنه وازع التقوى ، أو هو الشهوة والميل الغريزي المزموم بالتقوى كما أوضحناه . فيهذا يتضح لك أن قوله { وَهَمَّ بِهَا } لا يعارض ما قدمنا من الآيات على براءة يوسف من الوقوع فيما لا ينبغي . فإذا علمت مما بينا دلالة القرآن العظيم على براءته مما لا ينبغي ، فسنذكر لك أقوال العلماء الذين قالوا إنه وقع منه بعض ما لا ينبغي ، وأقوالهم في المراد بالبرهان فنقول قال صاحب الدر المنثور في التفسير بالمأثور اخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما همت به تزينت ثم استلقت على فراشها ، وهم بها جلس بين رجليها يحل تبانه نودي من السماء " يا ابن يعقوب ، لا تكن كطائر ينتف ريشه فيبقى لا ريش له " فلم يتعظ على النداء شيئاً ، حتى رأى برهان ربه جبريل عليه السلام في صورة يعقوب عاضاً على أصبعيه . ففزع فخرجت شهوته من أنامله ، فوثب إلى الباب فوجده مغلقاً ، فرفع يوسف رجله فضرب بها الباب الأدنى فانفرج له ، واتبعته فأدركته ، فوضعت يديها في قميصه فشقته حتى بلغت عضلة ساقه ، فألفيا سيدها لدى الباب . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، وأبو نعيم في الحلية ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن هم يوسف عليه السلام ما بلغ ؟ قال حل الهميان - يعني السراويل - وجلس منها مجلس الخاتن ، فصيح به ، يا يوسف لا تكن كالطير له ريش ، فإذا زنى قعد ليس له ريش ! ! وأخرج أبو نعيم في الحلية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } قال طمعت فيه وطمع فيها ، وكان من الطمع أن هم بحل التكة ، فقامت إلى صنم مكلل بالدر واليواقيت في ناحية البيت فسترته بثوب أبيض بينها وبينه ، فقال أي شيء تصنعين ؟ فقالت استحيي من إلهي أن يراني على هذه الصورة . فقال يوسف عليه السلام تستحين من صنم لا يأكل ولا يشرب ، ولا أستحي أنا من إلهي الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت ! ثم قال لا تنالينها مني أبداً - وهو البرهان الذي رأى . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وَهَمَّ بِهَا } قال حل سراويله حتى بلغ ثنته ، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته ، فمثل له يعقوب عليه السلام فضرب بيده على صدره فخرجت شهوته من أنامله . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } قال رأى صورة أبيه يعقوب في وسط البيت عاضاً على إبهامه ، فأدبر هارباً وقال وحقك يا أبت لا أعود أبداً . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عكرمة ، وسعيد بن جبير في قوله { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } قالا حل السراويل وجلس منها مجلس الخاتن ، فرأى صورة فيها وجه يعقوب عاضاً على أصابعه ، فدفع صدره فخرجت الشهوة من أنامله ، فكل ولد يعقوب قد ولد له اثنا عشر ولداً إلا يوسف عليه السلام ، فإنه نقص بتلك الشهوة ولداً فلم يولد له غير أحد عشر ولداً . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } قال تمثل له يعقوب عليه السلام فضرب في صدر يوسف فطارت شهوته من أطراف أنامله ، فولد لكل ولد يعقوب اثنا عشر ذكراً ، غير يوسف لم يولد له إلا غلامان . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه ، في قوله { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } قال رأى يعقوب عاضاً على أصابعه يقول يوسف ! يوسف ! . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي جاتم ، وأبي الشيخ عن قتادة رضي الله عنه ، في الآية قال رأى آية من آيات ربه حجزه الله بها عن معصيته . ذكر لنا أنه مثل له يعقوب عاضاً على أصبعيه ، وهو يقول له يا يوسف ! أتهم بعمل السفهاء ، وأنت مكتوب في الأنبياء ! فذلك البرهان . فانتزع الله كل شهوة كانت في مفاصله . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن محمد بن سرين رضي الله عنه ، في قوله { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } . قال مثل له يعقوب - عليه السلام - عاضاً على أصبعيه يقول يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن ، اسمك مكتوب في الأنبياء ، وتعمل عمل السفهاء . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه ، قال رأى صورة يعقوب - عليه السلام - في الجدار . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن الحسن رضي الله عنه ، قال زعموا أن سقف البيت انفرج ، فرأى يعقوب عاضاً على أصبعيه . وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، عن الحسن رضي الله عنه ، في قوله { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } . قال إنه لما هم قيل له ارفع رأسك يا يوسف ، فرفع رأسه فإذا هو بصورة في سقف البيت تقول يا يوسف ! يا يوسف ! أنت مكتوب في الأنبياء فعصمه الله عز وجل . وأخرج أبو عبيد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن أبي صالح رضي الله عنه ، قال رأى صورة يعقوب في سقف البيت تقول يوسف ! يوسف ! . وأخرج ابن جرير من طريق الزهري ان حميد بن عبد الرحمن أخبره أن البرهان الذي رأى يوسف - عليه السلام - هو يعقوب . وأخرج ابن جرير ، عن القاسم بن ابي بزة ، نودي يا ابن يعقوب ! لا تكونن كالطير له ريش ، فإذا زنى قعد ليس له ريش ! فلم يعرض للنداء وقعد ، فرفع راسه ، فرأى وجه يعقوب عاضاً على أصبعه . فقام مرعوباً استحياء من أبيه . وأخرج ابن جرير ، عن علي بن بذيمة قال كان يولد لكل رجل منهم اثنا عشر إلا يوسف - عليه السلام - ولد له أحد عشر من أجل ما خرج من شهوته . وأخرج ابن جرير ، عن شمر بن عطية قال نظر يوسف إلى صورة يعقوب عاضاً على أصبعه يقول يا يوسف ! فذاك حين كف وقام . وأخرج ابن جرير ، عن الضحاك رضي الله عنه ، قال يزعمون أنه مثل يعقوب - عليه السلام - فاستحيا منه . وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزعي قال كان ابن عباس رضي الله عنهما ، يقول في قوله { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } قال رأى آية من كتاب الله فنهته ، مثلت له في جدار الحائط . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه ، قال البرهان الذي رأى يوسف - عليه السلام - ثلاث آيات من كتاب الله { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } الانفطار 10 - 12 ، وقول الله تعالى { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } يونس 61 ، وقول الله تعالى { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } الرعد 33 . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن محمد بن كعب قال رأى في البيت في ناحية الحائط مكتوباً { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً } الإسراء 32 وأخرج ابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن وهب بن منبه رضي الله عنه ، قال لما خلا يوسف وامرأة العزيز خرجت كف بلا حسد بينهما ، مكتوب عليها بالعبرانية ، { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } الرعد 33 ، ثم انصرفت الكف ، وقاما مقامهما ، ثم رجعت الكف مكتوباً عليها بالعبرانية ، { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } الإنفطار 10 - 12 ، ثم انصرفت الكف ، وقاما مقامهما ، فعادت الكف الثالثة مكتوباً عليها { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً } الإسراء 32 وانصرفت الكف ، وقاما مقامهما ، فعادت الكف الرابعة مكتوباً عليها بالعبرانية { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } البقرة 182 فولى يوسف - عليه السلام - هارباً . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } قال آيات ربه ، أرى تمثال الملك . وأخرج أبو الشيخ ، وأبو نعيم في الحلية ، عن جعفر بن محمد رضي الله عنه ، قال لما دخل يوسف معها البيت - وفي البيت صنم من ذهب - قالت كما أنت ، حتى أغطى الصنم . فإني استحي منه . فقال يوسف هذه تستحي من الصنم ! أنا أحق أن أستحيي من الله ؟ فكف عنها وتركها . اهـ من الدر المنثور في التفسير بالمأثور . قال مقيدة - عفا الله عنه - هذه الأقوال التي رأيت نسبتها إلى هؤلاء العلماء منقسمة إلى قسمين قسم لم يثبت نقله عمن نقله عنه بسند صحيح ، وهذا لا إشكال في سقوطه . وقسم ثبت عن بعض من ذكر ، ومن ثبت عنه منهم شيء من ذلك ، فالظاهر الغالب على الظن ، المزاحم لليقين أنه إنما تلقاه عن الإسرائيليات . لأنه لا مجال للرأي فيه ، ولم يرفع منه قليل ولا كثير إليه صلى الله عليه وسلم . وبهذا تعلم أنه لا ينبغي التجرؤ على القول في نبي الله يوسف بأنه جلس بين رجلي كافرة أجنبية ، يريد أن يزني بها . اعتماداً على مثل هذه الروايات . مع أن في الروايات المذكورة ما تلوح عليه لوائح الكذب . كقصة الكف التي خرجت له أربع مرات ، وفي ثلاث منهن لا يبالي بها ، لأن ذلك على فرض صحته فيه أكبر زاجر لعوام الفساق . فما ظنك بخيار الأنبياء ! مع أنا قدمنا دلالة القرآن على براءته من جهات متعددة ، وأوضحنا أن الحقيقة لا تتعدى أحد أمرين . إما أن يكون لم يقع منه هم بها أصلاً ، بناء على تعليق همه على عدم رؤية البرهان ، وقد رأى البرهان . وإما أن يكون همه الميل الطبيعي المزموم بالتقوى ، والعلم عند الله تعالى . واختلف العلماء في المراد بالسوء والفحشاء ، اللذين ذكر الله في هذه الآية أنه صرفهما عن نبيه يوسف . فروى ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر رضي الله عنه ، في قوله { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ } قال الزنى . والثناء القبيح اهـ . وقال بعض العلماء السوء مقدمات الفاحشة ، كالقبلة ، والفاحشة الزنى . وقيل السوء جناية اليد ، والفاحشة الزنى . وأظهر الأقوال في تقارير متعلق الكاف في قوله { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ } ، أي فعلنا له ذلك من إراءة البرهان ، كذلك الفعل { لِنَصْرِفَ } واللام لام كي . { ٱلْمُخْلَصِينَ } يوسف 24 قرأه نافع ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، بفتح اللام بصيغة اسم المفعول . وقرأه ابن عامر ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، بكسر اللام بصيغة اسم الفاعل - والعلم عند الله تعالى اهـ .