Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 2-2)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ذكر في هذه الآية الكريمة أن الكفار إذا عرفوا حقيقة الأمر تمنوا أنهم كانوا في دار الدنيا مسلمين ، وندموا على كفرهم ، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } الأنعام 27 وقوله { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يٰحَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا } الأنعام 31 الآية ، وقوله { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً } الفرقان 27 إلى غير ذلك من الآيات ، وأقوال العلماء في هذه الآية راجعة إلى شيء واحد . لأن من يقول إن الكافر إذا احتضر وعاين الحقيقة تمنى أنه كان مسلماً ، ومن يقول إنه إذا عاين النار ووقف عليها تمنى أنه كان مسلماً ، ومن يقول إنهم إذا عاينوا إخراج الموحدين من النار تمنوا أنهم كانوا مسلمين ، كل ذلك راجع إلى أن الكفار إذا عاينوا الحقيقة ندموا على الكفر وتمنوا أنهم كانوا مسلمين . وقرأ نافع وعاصم { ربَمَا } بتخفيف الباء ، وقرأ الباقون بتشديدها ، والتخفيف لغة أهل الحجاز ، والتثقيل لغة تميم وقيس وربيعة ، ومن الأول قول عدي بن الرعلاء الغساني @ ربما ضربة بسيف صقيل بين بصري وطعنة نجلاء @@ والثاني كثير جداً ومنه قول الآخر @ ألا ربما أهدت لك العين نظرة قصاراك منها أنها عنك لا تجدى @@ ورب في هذا الموضع قال بعض العلماء للتكثير أي يود الكفار في أوقات كثيرة لو كانوا مسلمين . ونقل القرطبي هذا القول عن الكوفيين قال ومنه قول الشاعر . @ ألا ربما أهدت لك العين البيت @@ وقال بعض العلماء هي هنا للتقليل لأنهم قالوا ذلك في بعض المواضع لا في كلها لثقلهم بالعذاب . فإن قيل ربما لا تدخل إلا على الماضي فما وجه دخولها على المضارع في هذا الموضع ؟ فالجواب أن الله تعالى لما وعد بوقوع ذلك صار ذلك الوعد للجزم بتحقيق وقوعه كالواقع بالفعل ونظيره قوله تعالى { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } النحل 1 الآية ونحوها من الآيات ، فعبر بالماضي تنزيلاً لتحقيق الوقوع منزلة الوقوع بالفعل .