Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 99-99)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { وَٱعْبُدْ رَبَّكَ } . أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يعبد ربه ، أي يتقرب له على وجه الذل والخضوع والمحبة بما امر أن يتقرب له به من جميع الطاعات على الوجه المشروع . وجل القرآن في تحقيق هذا الأمر الذي هو حظ الإثبات من لا إله إلا الله ، مع حظ النفي منها . وقد بيَّن القرآن أن هذا لا ينفع إلا مع تحقيق الجزء الثاني من كلمة التوحيد ، الذي هو حظ النفي منها . وهو خلع جميع المعبودات سوى الله تعالى في جميع أنواع العبادات . قال تعالى { فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } هود 123 ، وقال { فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ } مريم 65 ، وقال { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } النساء 36 ، وقال { فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ } البقرة 256 ، وقال { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } يوسف 106 والآيات في مثل ذلك كثيرة جداً . قوله تعالى { حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } . قالت جماعة من أهل العلم ، منهم سالم بن عبد الله بن عمر ، ومجاهد ، والحسن وقتادة ، وعبد الرحمن ابن زيد بن أسلم وغيرهم اليقين الموت ، ويدل لذلك قوله تعالى { قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ حَتَّىٰ أَتَانَا ٱلْيَقِينُ } المدثر 43 - 47 وهو الموت . ويؤيد هذا ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث الزهري عن خارجة بن زيد بن ثابت ، " عن أم العلاء امرأة من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا دخل على عثمان بن مظعون وقد مات ، قالت أُمُّ العلاء رحمة الله عليك أبا السَّائب ! فشهادتي عليك لقد أكرمك الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وما يدريك أن الله قد أكرمه ؟ فقالت بأبي وأمي يا رسول الله فمن يكرمه الله ! ؟ فقال " أَما هو فقد جاءه اليقين ، وإِني لأَرجو له الخير … " الحديث . وهذا الحديث الصحيح يدل على أن اليقين الموت . وقول من قال إن المراد باليقين انكشاف الحقيقة ، وتيقن الواقع لا ينافي ما ذكرنا ، لأن الإنسان إذا جاءه الموت ظهرت له الحقيقة يقيناً . ولقد أجاد التهامي في قوله @ والعيش نوم والمنية يقظة والمرء بينهما خيال ساري @@ وقال صاحب الدر المنثور أخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، والحاكم في التاريخ ، وابن مردويه ، والديلمي عن أبي مسلم الخولاني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أوحي إلي أن أجمع المال وأكون من التاجرين ، ولكن أوحي إلي أن " سبح بحمد ربك وكن من الساجدين ، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " . وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال " ما أوحي إلي أن أجمع المال وأكون من التاجرين ، ولكن أوحي إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين ، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " . وأخرج ابن مردويه والديلمي عن أبي الدرداء رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما أوحي إلى أن أكون تاجراً ولا أجمع المال متكاثراً ، ولكن أوحي إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين ، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " . تنبيهان الأول - هذه الآية الكريمة تدل على أن الإنسان ما دام حياً وله عقل ثابت يميز به ، فالعبادة واجبة عليه بحسب طاقته . فإن لم يستطع الصلاة قائماً فليصل قاعداً ، فإن لم يستطع فعلى جنب . وهكذا قال تعالى عن نبيه عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام { وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً } مريم 31 وقال البخاري في صحيحه " باب إذا لم يطق قاعداً صلى على جنب " وقال عطاء إن لم يقدر أن يتحول إلى القبلة صلى حيث كان وجهه - حدثنا عبدان عن عبد الله ، عن إبراهيم بن طهمان قال حدثني الحسين المكتب ، عن بريدة ، " عن عمران ابن حصين رضي الله عنهما قال كانت بي بواسير ، فسألت النَّبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال " صلِّ قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب " اهـ ونحو هذا معلوم . قال تعالى { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } التغابن 16 ، وقال تعالى { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } البقرة 286 ، وقال صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم … " الحديث . التنبيه الثاني - اعلم أن ما يفسر به هذه الآية الكريمة بعض الزنادقة الكفرة المدعين للتصوف من أن معنى اليقين المعرفة بالله جل وعلا ، وأن الآية تدل على أن العبد إذا وصل من المعرفة بالله إلى تلك الدرجة المعبر عنها باليقين - أنه تسقط عنه العبادات والتكاليف . لأن ذلك اليقين هو غاية الأمر بالعبادة . إن تفسير الآية بهذا كفر بالله وزندقة ، وخروج عن ملة الإسلام بإجماع المسلمين . وهذا النوع لا يسمى في الاصطلاح تأويلاً ، بل يسمى لعباً كما قدمنا في آل عمران . ومعلوم أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم هم وأصحابه هم أعلم الناس بالله ، وأعرفهم بحقوقه وصفاته وما يستحق من التعظيم ، وكانوا مع ذلك أكثر الناس عبادة لله جل وعلا ، وأشدهم خوفاً منه وطمعاً في رحمته . وقد قال جل وعلا { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } فاطر 28 والعلم عند الله تعالى .