Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 1-1)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } . أي قرب وقت إتيان القيامة . وعبر بصيغة الماضي تنزيلاً لتحقق الوقوع منزلة الوقوع . واقتراب القيامة المشار إليه هنا بينه جل وعلا في مواضع أخر ، كقوله { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } الأنبياء 1 ، وقوله جل وعلا { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } القمر 1 ، وقوله { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } الأحزاب 63 ، وقوله { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } الشورى 17 ، وقوله جل وعلا { أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ } النجم 57 - 58 إلى غير ذلك من الآيات . والتعبير عن المستقبل بصيغة الماضي لتحقق وقوعه كثير في القرآن ، كقوله { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } الزمر 68 الآية ، وقوله { وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّار } الأعراف 44 الآية ، وقوله { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ } الزمر 69 - 71 الآية . فكل هذه الأفعال الماضية بمعنى الاستقبال ، نزل تحقق وقوعها منزلة الوقوع . وقوله تعالى { فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } . نهى الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن استعجال ما وعد به من الهول والعذاب يوم القيامة . والاستعجال هو طلبهم أن يعجل لهم ما يوعدون به من العذاب يوم القيامة . والآيات الموضحة لهذا المعنى كثيرة ، كقوله جل وعلا { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } العنكبوت 53 - 54 ، وقوله { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } الشورى 18 ، وقوله { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ } هود 8 الآية ، وقوله { وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } ص 16 ، وقوله { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } يونس 50 إلى غير ذلك من الآيات . والضمير في قوله { فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } في مفسره وجهان أحدهما أنه العذاب الموعد به يوم القيامة ، المفهوم من قوله { أَتَىٰ أَمْرُ } . والثاني أنه يعود إلى الله . أي لا تطلبوا من الله أن يعجل لكم العذاب . قال معناه ابن كثير . وقال القرطبي في تفسيره قال ابن عباس لما نزلت { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } القمر 1 قال الكفار إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت ! فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون ، فأمسكوا فانتظروا فلم يروا شيئاً ، فقالوا ما نرى شيئاً ! فنزلت { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } الأنبياء 1 الآية . فأشفقوا وانتظروا قرب الساعة فامتدت الأيام فقالوا ما نرى شيئاً ، فنزلت { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وخافوا ، فنزلت { فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } فاطمأنوا . فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم " بعثت أنا والساعة كهاتين " - وأشار بأصبعيه السبابة والتي تليها اهـ محل الغرض من كلام القرطبي ، وهو يدل على أن المراد بقوله { فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } أي لا تظنوه واقعاً الآن عن عجل ، بل هو متأخر إلى وقته المحدد له عند الله تعالى . وقول الضحاك ومن وافقه إن معنى { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } أي فرائضه وحدوده - قول مردود ولا وجه له ، وقد رده الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره قائلاً إنه لم يبلغنا أن أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم استعجل فرائض قبل أن تفرض عليهم ، فيقال لهم من أجل ذلك قد جاءتكم فرائض الله فلا تستعجلوها . أما مستعجلو العذاب من المشركين فقد كانوا كثيراً اهـ . والظاهر المتبادر من الآية الكريمة - أنها تهديد للكفار باقتراب العذاب يوم القيامة مع نهيهم عن استعجاله . قال ابن جرير في تفسيره وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال هو تهديد من الله لأهل الكفر به وبرسوله ، وإعلام منه لهم قرب العذاب منهم والهلاك ، وذلك أنه عقب ذلك بقوله سبحانه وتعالى { عَمَّا يُشْرِكُونَ } النحل 1 فدل بذلك على تقريعه المشركين به ووعيده لهم اهـ .