Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 99-100)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الشيطان ليس له سلطان على المؤمنين المتوكلين على الله ، وأن سلطانه إنما هو على أتباعه الذين يتولَّونه ، والذين هم به مشركون . وبين هذا المعنى في غير هذا الموضع ، كقوله { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } الحجر 42 ، وقوله { لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } ص 82 - 83 ، وقوله { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً } الإسراء 65 ، وقوله { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ } سبأ 21 الآية ، وقوله { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي } إبراهيم 22 . واختلف العلماء في معنى السلطان في هذه الآيات . فقال أكثر أهل العلم هو الحجة ، أي ليس للشيطان عليهم حجة فيما يدعوهم إليه من عبادة الأوثان . وقال بعضهم ليس له سلطان عليهم . أي تسلط وقدرة على أن يوقعهم في ذنب لا توبة منه . وقد قدمنا هذا . والمراد ب ، { الَّذين يتولونه } الذين يطعيونه فيوالونه بالطاعة . وأظهر الأقوال في قوله { وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } النحل 100 أن الضمير عائد إلى الشيطان لا إلى الله . ومعنى كونهم مشركين به هو طاعتهم له في الكفر والمعاصي . كما يدل عليه قوله تعالى { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } يس 60 ، وقوله عن إبراهيم { يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ } مريم 44 إلى غير ذلك من الآيات . وأما سلطانه على الذين يتولونه فهو ما جعلوه له على أنفسهم من الطاعة والاتباع والموالاة ، بغير موجب يستوجب ذلك . تنبيه فإن قيل أثبت الله للشيطان سلطاناً على أوليائه في آيات . كقوله هنا { إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ } النحل 100 الآية ، وقوله { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } الحجر 42 فالاستثناء يدل على أن له سلطاناً على من اتبعه من الغاوين مع أنه نفى عنه السلطان عليهم في آيات أخر . كقوله { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ } سبأ 20 - 21 الآية . وقوله تعالى حاكياً عنه مقرراً له { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي } إبراهيم 22 . فالجواب هو أن السلطان الذي أثبته له عليهم غير السلطان الذي نفاه ، وذلك من وجهين الأول - أن السلطان المثبت له هو سلطان إضلاله لهم بتزيينه ، والسلطان المنفي هو سلطان الحجة . فلم يكن لإبليس عليهم من حجة يتسلط بها ، غير أَنه دعاهم فأجابوه بلا حجة ولا برهان . وإطلاق السلطان على البرهان كثير في القرآن . الثاني - أن الله لم يجعل له عليهم سلطاناً ابتداء ألبتة ولكنهم هم الذين سلَّطوه على أنفسهم بطاعاته ودخولهم في حزبه ، فلم يتسلط عليهم بقوة . لأن الله يقول { إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً } النساء 76 . وإنما تسلط عليهم بإرادتهم واختيارهم . ذكر هذا الجواب بوجهيه العلامة ابن القيم رحمه الله . وقد بينا هذا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب .