Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 62-62)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن إبليس اللعين قال له { أَرَأَيْتَكَ } أي أخبرني هذا الذي كرمته علي فأمرتني بالسجود له وهو آدم . أي لم كرمته علي وأنا خير منه ! والكاف في { أَرَأَيْتَكَ } حرف خطاب ، وهذا مفعول به لأرأيت . والمعنى أخبرني . وقيل إن الكاف مفعول به ، و " هذا " مبتدأ ، وهو قول ضعيف . وقوله { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ } قال ابن عباس لأستولين عليهم ، وقاله الفراء . وقال مجاهد لأحتوينهم . وقال ابن زيد لأضلنهم . قال القرطبي والمعنى متقارب . أي لأستأصلنهم بالإغواء والإضلال ، ولأجتاحنهم . قال مقيدة عفا الله عنه الذي يظهر لي في معنى الآية - أن المراد بقوله { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ } أي لأقودنهم إلى ما أشاء . من قول العرب احتنكت الفرس إذا جعلت الرسن في حنكه لتقوده حيث شئت . تقول العرب حنكت الفرس أحنكه من باب ضرب ونصر واحتنكته إذا جعلت فيه الرسن . لأن الرسن يكون على حنكه . وقول العرب احتنك الجراد الأرض أي أكل ما عليها من هذا القبيل . لأنه يأكل بأفواهه ، والحنك حول الفم . هذا هو أصل الاستعمال في الظاهر . فالاشتقاق في المادة من الحنك ، وإن كان يستعمل في الإهلاك مطلقاً والاستئصال . كقول الراجز @ أشكو إليك سنة قد أجحفت جهداً إلى جهد بنا وأضعفت واحتنكت أموالنا واجتلفت @@ وهذا الذي ذكر جل وعلا عن إبليس في هذه الآية من قوله { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ } الآية ، بينه أيضاً في مواضع أخر من كتابه . كقوله { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } الأعراف16 - 17 ، وقوله { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } ص82 ، إلى غير ذلك من الآيات كما تقدم إيضاحه " في سورة النساء " وغيرها . وقوله في هذه الآية { إَلاَّ قَلِيلا } بين المراد بهذا القليل في مواضع أخر . كقوله { وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } الحجر39 - 40 ، وقوله { لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِين } الحجر39 - 40 كما تقدم إيضاحه . وقول إبليس في هذه الآية . { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ } الآية . قاله ظناً منه أنه سيقع وقد تحقق له هذا الظن . كما قال تعالى { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } سبأ20 .