Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 90-93)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بين الله جل وعلا في هذه الآيات الكريمة شدة عناد الكفار وتعنتهم ، وكثرة اقتراحاتهم لأجل التعنت لا لطلب الحق . فذكر أنهم قالوا له صلى الله عليه وسلم إنهم لن يؤمنوا له - أي لن يصدقوه - حتى يفجر لهم من الأرض ينبوعاً . وهو يفعول من نبع أي ماء غزير . ومنه قوله تعالى { فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي ٱلأَرْضِ } الزمر21 { أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ } أي بستان من نخيل وعنب . فيفجر خلالها ، أي وسطها أنهاراً من الماء ، أو يسقط السماء عليهم كسفاً أي قطعاً كما زعم . أي في قوله تعالى { إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } سبأ9 الآية . أو يأتيهم بالله والملائكة قبيلاً أي معاينة . قال قتادة وابن جريج " كقوله { لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } الفرقان21 . وقال بعض العلماء قبيلاً أي كفيلاً . من تقبله بكذا إذا كفله به . والقبيل والكفيل والزعيم بمعنى واحد . وقال الزمخشري قبيلاً بما تقول ، شاهداً بصحته . وكون القبيل في هذه الآية بمعنى الكفيل مروي عن ابن عباس والضحاك . وقال مقاتل { قبيلاً } شهيداً . وقال مجاهد هو جمع قبيلة . أي تأتي بأصناف الملائكة . وعلى هذا القول فهو حال من الملائكة ، أو يكون له بيت من زخرف أي من ذهب ومنه قوله " في الزخرف " { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ } الزخرف33 إلى قوله { وَزُخْرُفاً } الزخرف35 أي ذهباً . أو يرقى في السماء أي يصعد فيه ، وإنهم لن يؤمنوا لرقيه أي من أجل صعوده ، حتى ينزل عليهم كتاباً يقرؤونه . وهذا التعنت والعناد العظيم الذي ذكره جل وعلا عن الكفار هنا بينه في مواضع أخر . وبين أنهم لو فعل الله ما اقترحوا ما آمنوا . لأن من سبق عليه الشقاء لا يؤمن . كقوله تعالى { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } الأنعام7 ، وقوله { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } الأنعام111 ، وقوله { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } الحجر14 - 15 ، وقوله { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } الأنعام109 ، وقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } يونس96 - 97 ، والآيات بمثل هذا كثيرة . وقوله في هذه الآية { كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ } أي كتاباً من الله إلى كل رجل منا . ويوضح هذا قوله تعالى " في المدثر " { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } المدثر52 كما يشير إليه قوله تعالى { وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ } الأنعام124 الآية . وقوله في هذه الآية الكريمة { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } أي تنزيهاً لربي جل وعلا عن كل ما لا يليق به ، ويدخل فيه تنزيهه عن العجز عن فعل ما اقترحتم . فهو قادر على كل شيء ، لا يعجزه شيء ، وأنا بشر أتبع ما يوحيه إليّ ربي . وبين هذا المعنى في مواضع أخر . كقوله { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا } الكهف110 ، وقوله { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ وَٱسْتَغْفِرُوهُ } فصلت6 الآية . وكقوله تعالى عن جميع الرسل { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } إبراهيم11 إلى غير ذلك من الآيات . وقرأ { تَفْجُر } الأولى عاصم وحمزة والكسائي بفتح التاء وإسكان الفاء وضم الجيم . والباقون بضم التاء وفتح الفاء وتشديد الجيم مكسورة . واتفق الجميع على هذا في الثانية . وقرأ نافع وابن عامر وعاصم { كِسَفاَ } بفتح السين والباقون بإسكانها . وقرأ أبو عمرو { نُنْزِل } بإسكان النون وتخفيف الزاي ، والباقون بفتح النون وشد الزاي .