Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 27-27)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ } . أمر جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة أن يتلو هذا القرآن الذي أوحاه إليه ربه . والأمر في قوله " واتل " شامل للتلاوة بمعنى القراءة . والتلو بمعنى الاتباع . وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أمره تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بتلاوة القرآن العظيم واتباعه جاء مبيناً في آيات أخر . كقوله تعالى في سورة " العنكبوت " { ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ } العنكبوت 45 الآية ، وكقوله تعالى في آخر سورة " النمل " { إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبِّ هَذِهِ ٱلْبَلْدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ ٱلْقُرْآنَ } النمل 91 - 92 الآية ، { وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } المزمل 4 إلى غير ذلك من الآيات الدالة على الأمر بتلاوته ، وكقوله تعالى في الأمر باتباعه { ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } الأنعام 106 ، وقوله تعالى { فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } الزخرف 43 ، وقوله تعالى { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } الأحقاف 9 ، وقوله تعالى { قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } يونس 15 ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على الأمر باتباع هذا القرآن العظيم . وقد بين في مواضع أخر بعض النتائج التي تحصل بسبب تلاوة القرآن واتباعه . كقوله تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ } فاطر 29 ، وقوله تعالى { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } البقرة 121 والعبرة في هذه الآية بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . قوله تعالى { لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ } . بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه لا مبدل لكلماته . أي لأن أخبارها صدق وأحكامها عدل ، فلا يقدر أحد أن يبدل صدقها كذباً . ولا أن يبدل عدلها جوراً وهذا الذي ذكره هنا جاء مبيناً في مواضع أخر ، كقوله تعالى { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } الأنعام 115 . فقوله " صدقاً " يعني في الإخبار . وقوله " عدلاً " أي في الأحكام . وكقوله { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ } الأنعام 34 . وقد بين تعالى في مواضع أخر ، أنه هو يبدل ما شاء من الآيات مكان ما شاء منها . كقوله تعالى { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ } النحل 101 الآية . وقوله { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } البقرة 106 الآية ، وقوله تعالى { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ } يونس 15 الآية . قوله تعالى { وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } . أصل الملتحد مكان الالتحاد وهو الافتعال من اللحد بمعنى الميل ، ومنه اللحد في القبر ، لأنه ميل في الحفر ، ومنه قوله تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ } فصلت 40 ، وقوله { وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ } الأعراف 180 ، الآية فمعنى اللحد والإلحاد في ذلك الميل عن الحق . والملحد المائل عن دين الحق . وقد تقرر في فن الصرف أن الفعل إن زاد ماضيه على ثلاثة أحرف فمصدره الميمى واسم مكانه واسم زمانه كلها بصيغة اسم المفعول كما هنا . فالملتحد بصيغة اسم المفعول ، والمراد به مكان الالتحاد ، أي المكان الذي يميل فيه إلى ملجإ أو منجى ينجيه مما يريد الله أن يفعله به . وهذا الذي ذكره هنا من أن نبيه صلى الله عليه وسلم لا يجد من دونه ملتحداً . أي مكاناً يميل إليه ويلجأ إليه إن لم يبلغ رسالة ربه ويطعه - جاء مبيناً في مواضع أخر . كقوله { قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ } الجن 21 - 23 ، وقوله { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيل لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } الحاقة 44 - 47 الآية . وكونه ليس له ملتحد ، أي مكان يلجأ إليه تكرر نظيره في القرآن بعبارات مختلفة . كالمناص ، والمحيص ، والملجأ ، والموئل ، والمفر ، والوزر ، كقوله { فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } ص 3 وقوله { وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً } النساء 121 ، وقوله { فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ } ق36 وقوله { مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ } الشورى 47 ، وقوله { بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاٍ } الكهف 58 ، وقوله { يَقُولُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ كَلاَّ لاَ وَزَرَ } القيامة 10 - 11 فكل ذلك راجع في المعنى إلى شيء واحد ، وهو انتفاء مكان يلجؤون إليه ويعتصمون به