Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 35-36)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن هذا الرجل الكافر الظالم لنفسه ، الذي ضربه مثلاً مع الرجل المؤمن في هذه الآيات لرؤساء الكفار ، الذين افتخروا بالمال والجاه على ضعفاء المسلمين الفقراء كما تقدم - أنه دخل جنته في حال كونه ظالماً لنفسه وقال إنه ما يظن أن تهلك جنته ولا تفنى لما رأى من حسنها ونضارتها ؟ وقال إنه لا يظن الساعة قائمة ، وإنه إن قدر أنه يبعث ويرد إلى ربه ليجدن عنده خيراً من الجنة التي أعطاه في الدنيا . وما تضمنته هذه الآية الكريمة من جهل الكفار واغترارهم بمتاع الحياة الدنيا ، وظنهم أن الآخرة كالدنيا ينعم عليهم فيها أيضاً بالمال والولد ، كما أنعم عليهم في الدنيا - جاء مبيناً في آيات أخر ، كقوله في " فصلت " { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَـٰذَا لِي وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِّعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } فصلت 50 ، وقوله في " مريم " { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً } مريم 77 وقوله في " سبأ " { وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } سبأ 35 . وقوله في هذه السورة الكريمة { فَقَالَ لَصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } الكهف 34 . وبين جل وعلا كذبهم واغترارهم فيما ادعوه من أنهم يجدون نعمة الله في الآخرة كما أنعم عليهم بها في الدنيا في مواضع كثيرة ، كقوله { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } المؤمنون 55 - 56 ، وقوله { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } الأعراف 182 - 183 ، وقوله { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } آل عمران 178 ، وقوله { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ } سبأ 37 الآية ، وقوله تعالى { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } المسد 2 إلى غير ذلك من الآيات . وقوله { مُنْقَلَباً } أي مرجعاً وعاقبة . وانتصابه على التمييز . وقوله { لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا } قرأه ابن عامر ونافع وابن كثير " منهما " بصيغة تثنية الضمير . وقرأه الباقون " منها " بصيغة إفراد هاء الغائبة . فالضمير على قراءة تثنيته راجع إلى الجنتين في قوله { جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ } الكهف 32 وقوله { كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ } الكهف 33 . وعلى قراءة الإفراد راجع إلى الجنة في قوله { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ } الآية . فإن قيل ما وجه إفراد الجنة مع أنهما جنتان ؟ فالجواب - أنه قال ما ذكره الله عنه حين دخل إحداهما ، إذ لا يمكن دخوله فيهما معاً في وقت واحد . وما أجاب به الزمخشري عن هذا السؤال ظاهر السقوط ، كما نبه عليه أبو حيان في البحر .