Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 43-44)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن في هذه الآية الكريمة قراءات سبعية ، وأقوالاً لعلماء التفسير ، بعضها يشهد له قرآن ، وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن الآية قد تكون فيها مذاهب للعلماء ، يشهد لكل واحد منها قرآن . فنذكر الجميع وأدلته في القرآن . فإذا علمت ذلك فاعلم أن قوله في هذه الآية { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ } قرأه السبعة ما عدا حمزة والكسائي بالتاء المثناة الفوقية . وقرأه حمزة والكسائي " ولم يكن له فئة " بالياء المثناة التحتية . وقوله { ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ } قرأة السبعة ما عدا حمزة والكسائي أيضاً " الولاية " بفتح الواو . وقرأه حمزة والكسائي بكسر الواو . وقوله " الحق " قرأه السبعة ما عدا أبا عمرو والكسائي بالخفض نعتاً " لله " وقرأه أبو عمرو والكسائي بالرفع نعتاً للولاية . فعلى قراءة من قرأ " الولاية لله " بفتح الواو - فإن معناها الموالاة والصلة ، وعلى هذه القراءة ففي معنى الآية وجهان الأول - أن معنى { هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ } أي في ذلك المقام ، وتلك الحال تكون الولاية من كل أحد لله ، لأن الكافر إذا رأى العذاب رجع إلى الله . وعلى هذا المعنى فالآية كقوله تعالى { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } غافر 84 ، وقوله في فرعون { حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } يونس 90 - 91 ونحو ذلك من الآيات . الوجه الثاني - أن الولاية في مثل ذلك المقام وتلك الحال لله وحده ، فيوالى فيه المسلمين ولاية رحمة ، كما في قوله تعالى { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } البقرة 257 الآية ، وقوله { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } محمد 11 . وله على الكافرين ولاية الملك والقهر ، كما في قوله { وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } يونس 30 . وعلى قراءة حمزة والكسائي فالولاية بالكسر بمعنى الملك والسلطان ، والآية على هذه القراءة كقوله { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } غافر 16 وقوله { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ } الفرقان 26 الآية ، وقوله { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } الحج 56 . وعلى قراءة " الحق " بالجر نعتاً لله ، فالآية كقوله { وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ } يونس 30 الآية . وقوله { فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ } يونس 32 الآية ، وقوله { يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ } النور 25 إلى غير ذلك من الآيات . وعلى قراءة " الحق " بالرفع نعتاً للولاية ، على أن الولاية بمعنىالملك ، فهو كقوله { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ } الفرقان 26 . وما ذكره جل وعلا عن هذا الكافر من أنه لم تكن له فئة ينصرونه من دون الله - ذكر نحوه عن غيره من الكفار ، كقوله في قارون { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ } القصص 81 ، وقوله { فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ } الطارق 10 ، والآيات بمثل هذا كثيرة جداً . وقوله { هُنَالِكَ } قال بعض العلماء . هو متعلق بما بعده ، والوقف تام على قوله { وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } الكهف 43 . وقال بعضهم هو متعلق بما قبله ، فعلى القول الأول فالظرف الذي هو " هنالك " عامله ما بعده ، أي الولاية كائنة لله هنالك . وعلى الثاني فالعامل في الظرف اسم الفاعل الذي هو " منتصراً " أي لم يكن انتصاره واقعاً هنالك . وقوله { هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً } أي جزاء كما تقدم . وقوله " عقباً " بضم العين وسكون القاف والمعنى واحد . وقوله " ثواباً " وقوله " عقباً " كلاهما منصوب على التمييز بعد صيغة التفضيل التي هي " خير " كما قال في الخلاصة @ والفاعل المعنى انصبن بأفعلا مفضلاً كأنت أعلى منزلا @@ ولفظة - خير وشر - كلتاهما تأتي صيغة تفضيل حذفت منها الهمزة تخفيفاً لكثرة الاستعمال ، قال ابن مالك في الكافية . @ وغالباً أغناهم خير وشر عن قولهم أخير منه وأشر @@ تنبيه قوله في هذه الآية الكريمة { فئة } محذوف منه حرف بلا خلاف ، إلا أن العلماء اختلفوا في الحرف المحذوف . هل هو ياء أو واو ، وهل هو العين أو اللام ؟ قال بعضهم المحذوف العين ، وأصله ياء . وأصل المادة ف ي أ ، من فاء يفيء إذا رجع ، لأن فئة الرجل طائفته التي يرجع إليها في أموره ، وعلى هذا فالتاء عوض عن العين المحذوفة ، ووزنه بالميزان الصرفي " فلة " وقال بعضهم المحذوف اللام . وأصله واو ، من فأوت رأسه إذا شققته نصفين . وعليه فالفئة الفرقة من الناس . وعلى هذا فوزنه بالميزان الصرفي " فعة " والتاء عوض عن اللام . وكلا القولين نصره بعض أهل العلم ، والعلم عند الله تعالى .