Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 53-53)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن المجرمين يرون النار يوم القيامة ، ويظنون أنهم مواقعوها ، أي مخالطوها وواقعون فيها . والظن في هذه الآية بمعنى اليقين لأنهم أبصروا الحقائق وشاهدوا الواقع . وقد بين تعالى في غير هذا الموضع أنهم موقنون بالواقع كقوله عنهم { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } السجدة 12 ، وكقوله { فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } ق 22 ، وقوله تعالى { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا } مريم 38 الآية . ومن إطلاق الظن على اليقين قوله تعالى { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } البقرة 45 - 46 أي يقونون أنهم ملاقوا ربهم . وقوله تعالى { قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } البقرة 249 . وقوله تعالى { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } الحاقة 19 - 20 فالظن في هذه الآيات كلها بمعنى اليقين . والعرب تطلق الظن على اليقين وعلى الشك . ومن إطلاقه على اليقين في كلام العرب قول دريد بن الصمة فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرد وقول عميرة بن طارق @ بأن تغتزوا قومي وأقعد فيكم وأجعل مني الظن غيبا مرجما @@ وقد ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن المجرمين يرون النار ، وبين في موضع آخر أنها هي تراهم أيضاً ، وهو قوله تعالى { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } الفرقان 11 - 12 . وما جرى على ألسنة العلماء من أن الظن جل الاعتقاد اصطلاح للأصوليين والفقهاء . ولا مشاحة في الاصطلاح . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً } المصرف المعدل ، أي ولم يجدوا عن النار مكاناً ينصرفون إليه ويعدلون إليه ، ليتخذوه ملجأ ومعتصماً ينجون فيه من عذاب الله . ومن إطلاق المصرف على المعدل بمعنى مكان الانصراف للاعتصام بذلك المكان - قول أبي كبير الهذلي @ أزهير هل عن شيبة من مصرف أم لا خلود لباذل متكلف @@ وقوله في هذه الآية الكريمة { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ } من رأى البصرية ، فهي تتعدى لمفعول واحد ، والتعبير بالماضي عن المستقبل نظراً لتحقق الوقوع ، فكان ذلك لتحقق وقوعه كالواقع بالفعل ، كما تقدم مراراً . والعلم عند الله تعالى .